" أمازلتِ تذكرين ذلك اليوم.. وهذا المكان.. وتلك المنضدة.. وذاك الوجه... وجهى! عيناى ... عيناى التى ما عادت ترى سواكِ... وهذه يدى ... تلك التى امتدت اليكِ بسلام ,تسبقها ابتسامة فاضت من قلب نبض بحبك... هذا المكان... وتلك المنضدة التى ما عدت أجلس عليها بعد ان رحلتى ..
(2)
يقف على بعد خطوات من المنضدة, لا يقوى على الاقتراب... لم يعد قادراً على الابتعاد... حاول أن يتماسك... أن يبدو متماسكاً, لم يستطع. داهمته الخواطر ,لاحظ الجميع هذا... نظراته الشاردة.. وجهه المُظلم..لحيته النامية بلا انتظام.. قدماه المرتعشتان..روحه المثقلة بالهموم. وقلبه ...ذلك العجوز اقتربت منه إحداهن, بصوت ملؤه الإشفاق تسائلت: ماذا بك؟ - أتعلمين ...كان هذا أول يوم رأيتها ! هذه الساحة .. وتلك المنضدة نفس الوجوه ... نفس الازدحام كنت أقف هنا منذ عام ! أحنى رأسه فى انكسار منتظراً أن تلقى سؤالها الآخر: وما الذى حدث؟ لكنها فهمت .. عيناه.. نظراته .. ملامحه..روحه..كلها تشى بإجابة واحدة, لذا آثرت الصمت. ارتبكت فشعر بذلك ,بادرها: تًُرى هل تعى معنى ذلك اليوم؟ أم أنه سقط منها؟ معذورة ..ليس الأمر بيدها, لكنه ليس بيدى أنا الآخر لم تجد ماتقوله له ,هزت رأسها ولم تُعقب ,أيقنت أن الوقت ليس فى صالحها فانسحبت. وحيداً بقى.. ووحيداً سيظل.. يجرع مرارة ويصمت ..يتألم ولا يتفوَّه. ذاك قدره... أحبها .. وما عاد يرى سواها فى هذا الكون. أحبته .. وما عاد يُجدى النصح. لذا وجب أن يبتعدا.. أن يفترقا .. ولأنهما خطان متوازيان ...مستحيل أن يلتقيا أبداً.
(3)
من يومها لم تفارقه لحظة.. يراها بين ذرات الهواء... تصبغ كل حياته.. فى الشارع يراها.. بنت الجيران التى لاتمل الوقوف فى "بلكونة" البيت... فى الأوتوبيس.. تلك المراهقة التى تجلس بجواره, تختلس النظرإلى جريدته التى يقرأها... تتسابق لتجاوره فى المحاضرة فيوقن أنه لن يفهم منها أيَّا مما سيُقال... يراها تتأبط ذراع حبيبها فى إحدى الحدائق العامة... هى التى يلقاها مع أصدقائه أمام إحدى "السينمات" فتحلو لهم معاكستها... بطلة المسلسل الذى يحرص على مشاهدته... تقتحم سيارته فى إشارات المرور, تُجبره أن يشترى منها "الفُل"... يراها فى أغنية لعمرو أو هشام... فى أروع ألحان خيرت ... فى كوب الشاى الذى يحتسيه فى ليالى الشتاء... يلقاها نسمة صيف أمام بحر صافٍ موجه ... هى أمه.. أخته .. صديقة عمره... هى رمز كل رواياته.. حلم كل لياليه.. أمسه ويومه وغده.. تلك التى جعلت لحياته معنى. يصحو ليراها ... ولا ينام الإ إذا اطمئن عليها ,لذا لم يعد يعرف للنوم طريقاً... تدهسه عجلة الحياة... تنسيه نفسه فيتهافت لسماع أخبارها... يسمع صوتها ربما كل شهر... فيغلق السماعة.. هذا يكفيه.. ربما لن يراها ثانية .. لن يكلمها مرة أخرى. هى دائما معه .. لا يمل الحديث معها.
(4)
مر عام... نفس الساحة .. الوجوه.. الجدران .. المنضدة نفس الهواء .. الرائحة..الحياة نفس اليوم والساعة ونفسه .. الإ قليلا الإ هى ... لم تعد نفسها.
تمــت
آخر تعديل بواسطة ahmed_bebo في 26 نوفمبر 2009, 1:38 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
ولو كان المقام بها كريما ... لما كانت تموت الانبياء
ومن يغدو بدار الغير ضيفا .. فرب رحيله يكن المساء
دائماً ما أقيس جودة القصة بقدرة كاتبها على أن يجعلني أراها من بين كلماته...أن يجبر خيالي أن يتحرك معه أينما ذهب ومهما وصف...وأنت نجحت حقاً في ذلك...فوصف التفاصيل التي ترسم الصورة في القصة أراها من أهم ما يميزها -هكذا أعتقد بصفة لا أكاديمية-فوصفك مثلاً للحيته ..لنظراته جعلتني أتخيل أمامي رجل بائس حزين وكدت أرى ملابسه مهلهلة وعينيه ذابلة....
إسهابك في تخيله إياها كل من يلقاهن في يومه أيضاً موجع وحساس وموفق.
أهنئك وأشكركflower1
أولا أشكرك جدا يارحاب على اهتمامك ومرورك الكريم على قصتى المتواضعة ثانيا أحب اقولك انى بجد استمتعت برأيك الجميل جدا واللى اثر فيا جدا بجد شرفتينى بمرورك واتمنى انك تقرأى حاجات تانيه ليا لإن رأيك يهمنى جدا
ولو كان المقام بها كريما ... لما كانت تموت الانبياء
ومن يغدو بدار الغير ضيفا .. فرب رحيله يكن المساء
قصة تحمل الكثير من المعانى التى يملئها الصدق ويغلفها الحب الحقيقى رسمت لنا حالة هذا الإنسان
وجعلتنا نراه ونرى المكان الذى يعيش فيه فجعلتنى اذهب معه الى ذكرياته.. وشعرت به عندما كان يرى محبوبته فى كل
مكان يذهب اليه وفى كل لحظات حب غيره يعيشها .... اسلوبك مميز جدا فى أمتاع عقل القارئ بتفاصيل تجعله يستمتع بما يقرأه ولا يمل ...ففى كثيرا من القصص تكون زيادة التفاصيل فى القصة السبب فى عدم تواصيل الفكرة من القصة...ولكن عندما قرأت القصة شعرت ان كل ماتكتبه هو احسايس تأخذ القارىء الا حالة خاصة لتشعره بكل مايشعر به بطل القصة من لحظات الم ...ولكن لان الحب عندما يكون صادق وعندما تكون ظروف الحياة هى من حكم على الحب بالفراق فيظل هذا الحب محفور بداخل هذا الأنسان لا يقدر زمن ان يمحوه وسيظل دائما يذكره فى كل كتابته فى كل احلامه فى عالمه الذى سيصنعه من اجلها فقط فأوقات الحلم الذى لا يتحقق يكون السبب فى أبداع أشياء كثيرة تجعلنا نتحمل الم الفراق
اعجبت كثيرا بالقصة رغم المِ لهذا الحب الجميل اتمنى دائما انا أقرأ اعمالك المميزة الرقيقة التى تحمل أجمل الأحسايس
أتمنى لك دوام التميز
السلام عليكم
انا اسفه لانى مردتش قبل كده على ايه موضوع من مواضيعك بس ده لانى كنت متغيبه عن الاكاديميه لفتره بس الحمد الله انى رجعت
بجد القصه رائعه والاحساس عالى وصعب عليا قوى الولد
بجد تسلم ايدك ويدوم ابداعك
المجموعه القصصيه اعذرينى ومخاوف اخرى حاليا فى الاسواق داخل العدد ارض الظلال من تاليفى
أود أن أشكر الأخت أوشين على تشريفها لقصتى التواضعه وأتمنى أن تقرأ لى مزيدا من القصص.. أما بالنسبة لسؤال د/ أسماء: أحب أقولها أن اللى مكتوب فى القصة دى موجود وأكثر يادكتور مش مجرد كتابه عن احلام القصة واقيعة تماما .. وأتمنى انك تقراى لى قصصا أخرى يادكتور لإن ده شئ يشرفنى
ولو كان المقام بها كريما ... لما كانت تموت الانبياء
ومن يغدو بدار الغير ضيفا .. فرب رحيله يكن المساء
الزميل / أحمد قصتك شاعرية جداً ورمانسية لأبعد الحدود والإحساس الدافئ دائماً ما يميز القصص الرومانسية . استمتعت بقصتك وإن شاء الله منتظر جديدك ، دمت بألف صحة وعافية .