إلياذة الجزائر..تاريخ شعب
مرسل: 10 يونيو 2009, 7:25 pm
قررتُ أن أخطو هذه الخطوة و أعرفكم بكتاب محبب إلى قلبي كثيرا و قد احتفظت به منذ زمن عندما جاءني كهدية من أخي الأكبر الذي كان يولي اهتمام واسعا بالحياة الفكرية و يسعى أن نكون على درجة من الوعي و الثقافة .
كتابي هو" إلياذة الجزائر" لشاعر الثورة الجزائرية " مفدي زكريا" ، و هو عبارة عن مجموعة من المقطوعات الشعرية تتكون من ألف بيت و بيت، و قد كانت أول بذرة لنبوت هذا الكتاب في أواخر الملتقى الخامس للتعرف على الفكر الإسلامي في وهران الجزائرية عام 1971 حيث تم الإعلان أن الملتقى السادس سيكون في العاصمة الجزائرية بمناسبة الذكرى العاشرة لاسترجاع الاستقلال و الذكرى الألفية لتأسيس مدينة الجزائر على يد " بُلكين بن زيري" .
ولذلك تم التركيز في جدول أعمال هذا الملتقى على التاريخ لمراجعته و كتابته من جديد و تصفية ما علق به من شوائب و تزييفات ، و لذلك طلب القائمون على هذا الملتقى من الشاعر العبقري و المناضل الكبير مفدي زكريا صاحب الأناشيد الوطنية " من جبالنا طلع صوت الأحرار" و " فداء الجزائر روحي و مالي" و " اعصفي يا رياح" و طبعا النشيد الوطني الرسمي للجزائر " قسما" و غيرها من الأناشيد ، فقد طُلب منه أن يضع نشيدا جديدا يجمع به تاريخ الجزائر من أقدم عصورها حتى المرحلة التي عاصرها مركزا على مقاومة الشعب لمختلف الاحتلالات و على العهود الحضارية الزاهية و مقوّمات شخصيتنا .
تحمس مفدي للفكرة و بدأ في نظم الإلياذة و التغني بتاريخ شعبه و تعاون مع كل من مولود قاسم نايت بلقاسم و عثمان عكاك في وضع المقاطع التاريخية ، و قد كان كل منهم في بلد : مفدي في المغرب ، مولود قاسم في الجزائر و عثمان عكاك في المغرب و قد أعطى ذلك للعمل نكهة خاصة ، فكان ثمرة لمجهودات مشتركة فإذا ما شك أحدهم في نقطة معينة هتف إلى الآخر يتأكد منه فكتابة التاريخ كما تعلمون ليست بالأمر الهين ...
و هكذا نشأت الإلياذة و وصلت في بضع أشهر إلى ستمائة و عشر أبيات ، ألقاها مفدي في الملتقى السادس للفكر الإسلامي سنة 1972 بحضور جمع غفير و من كل الدول على رأسهم الرئيس الراحل هواري بومدين .
و لم تتوقف إلياذة الجزائر بمجرد إلقائها في اليوم الذي أعدت له ، بل واصلت طريقها و اعتبرها مؤسسوها بمثابة السجل التاريخي الذي سيعود له الشباب في المستقبل إن أرادوا أن يتعرفوا على تاريخهم و لذلك واصل مفدي زكريا نظمها إلى أن وصلت الواحد بعد الألف أي ألف بيت و بيت .
و قد قسم مفدي الإلياذة إلى قسمين : قسم الجمال أي الجمال الطبيعي للبلاد و قسم الجلال و إن تداخل القسمان أحيانا .و إليكم البعض من هذه الرائعة :
بدأ مفدي مقطوعته الأولى كما يلي:
جزائر يا مطلع المعجزات
ا حجة الله في الكائنات
و يا بسمة الرب في أرضه
و يا وجهه الضاحك القسمات
ثم إلى البيتين الأولين من المقطوعة الثانية :
جزائر يا بدعة الفاطر
و يا روعة الصانع القادر
و يا بابل السحر من وحيها
تلقب هاروت بالساحر
و إلى تلك الرائعة :
و أوقفت ركب الزمان طويلا
أسائله عن ثمود و عاد
و عن قصة المجد من عهد نوح
و هل ارم هي ذات العماد
فأقسم هذا الزمان يمينا
و قال الجزائر دون عناد
[ثم ها هو ينشد لثورة نوفمبر و لرجالها البسلاء الذين ضحوا بحياتهم لأجل حرية لم ينعموا بها
و طالت خرافات حرب الكلام
و ما بلغ الشعب فيه المرام
فامن بالنار من عرفوها
و من كاشفتهم بسر النظام
ثم يتغنى بنوفمبر المجيد:
]نوفمبر جل جلالك فينا
ألست الذي بث فينا اليقينا
إلى أن يقول :
جمعنا لحرب الخلاص شتاتا
سلكنا به المنهج المستبينا
و لولا التحام الصفوف وقانا
لكنا سماسرة مجرمينا
فليت فلسطين تقفوا خطانا
و تطوي كما قد طوينا السنينا
و بالقدس تهتم لا بالكراسي
تميل يسارا بها و يمينا
و لكن هل سمعتم عن مناضل أو زعيم ، حر لا تطاله الاستفزازات ، الأقاويل فقد اضطرته ظروف تسبب فيها البعض إلى عدم استقراره في البلاد فكان ينتقل بين الشقيقتين تونس و المغرب و رد على المغرضين قائلا
بلادي وقفت لذكراك شعري
فخلد مجدك في الكون ذكري
و ألهمتني فصدعت الدنا
بإلياذة في اعتزاز و فخر
ثم يضيف
و قالوا هجرت ربوع البلاد
و همت مع الشعر في كل وادي
أجل قد بعدت لازداد قربا
و يلهب حب بلادي فؤادي
أرى في كيان الجزائر ذاتي
بكل اعتزاز و كل اعتداد
إني بتخليد مجد بلادي
مقدم على العهد رغم البعاد
]و أخيرا و كأنه أحس بدنو أجاه إذ توفي بعد ذلك بقليل ، و ها هو يمجد بلاده لاخر مرة و يودعها الوداع الأخير قبل أن يعود إليها جثمانه الهامد على متن طائرة تقله من تونس بأمر من الرئيس الراحل هواري بومدين ليواري التراب في بلده و بالذات في مسقط رأسه وادي ميزاب و بالتالي قدر عليه أن يموت بعيدا عن الأرض التي تغنى بها حياته كلها و تبين في الأخير أنه لم يكن يسرد تاريخ الجزائر بطريقة شعرية جميلة فقط،إنما كان يحكي حكايته في حب وطنه و لذلك كان اخر ما أنشد :
بلادي الأمان الأمان
أغني علاك بأي لسان
جلالك تقصر عن اللغا
و يعجزني فيك سحر البيان
إليك صلاتي و أزكى سلامي
بلادي الأمان الأمان
وكان بقاءه في بلاد الغربة كل هذه المدة جعله في اخر المطاف يحن إلى وطنه و يعترف أنه لم يجد الأمان إلا في ربوعها ، فالغربة و مهما كانت في ظروف مريحة فإنها لن تشعرنا بالأمان الكافي و لابد أن أتطرق إلى تلك الرائعة التي كان يختم بها كل مقطوعة و كانت النشيد الذي يتغنى به كل مواطن يحب وطنه و يفخر به
شغلنا الورى و ملئنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
كانت هذه البعض من مقتطفات الحكاية الشعرية التي تفنن في كتابتها المناضل و المجاهد و الشاعر مفدي زكريا
كتابي هو" إلياذة الجزائر" لشاعر الثورة الجزائرية " مفدي زكريا" ، و هو عبارة عن مجموعة من المقطوعات الشعرية تتكون من ألف بيت و بيت، و قد كانت أول بذرة لنبوت هذا الكتاب في أواخر الملتقى الخامس للتعرف على الفكر الإسلامي في وهران الجزائرية عام 1971 حيث تم الإعلان أن الملتقى السادس سيكون في العاصمة الجزائرية بمناسبة الذكرى العاشرة لاسترجاع الاستقلال و الذكرى الألفية لتأسيس مدينة الجزائر على يد " بُلكين بن زيري" .
ولذلك تم التركيز في جدول أعمال هذا الملتقى على التاريخ لمراجعته و كتابته من جديد و تصفية ما علق به من شوائب و تزييفات ، و لذلك طلب القائمون على هذا الملتقى من الشاعر العبقري و المناضل الكبير مفدي زكريا صاحب الأناشيد الوطنية " من جبالنا طلع صوت الأحرار" و " فداء الجزائر روحي و مالي" و " اعصفي يا رياح" و طبعا النشيد الوطني الرسمي للجزائر " قسما" و غيرها من الأناشيد ، فقد طُلب منه أن يضع نشيدا جديدا يجمع به تاريخ الجزائر من أقدم عصورها حتى المرحلة التي عاصرها مركزا على مقاومة الشعب لمختلف الاحتلالات و على العهود الحضارية الزاهية و مقوّمات شخصيتنا .
تحمس مفدي للفكرة و بدأ في نظم الإلياذة و التغني بتاريخ شعبه و تعاون مع كل من مولود قاسم نايت بلقاسم و عثمان عكاك في وضع المقاطع التاريخية ، و قد كان كل منهم في بلد : مفدي في المغرب ، مولود قاسم في الجزائر و عثمان عكاك في المغرب و قد أعطى ذلك للعمل نكهة خاصة ، فكان ثمرة لمجهودات مشتركة فإذا ما شك أحدهم في نقطة معينة هتف إلى الآخر يتأكد منه فكتابة التاريخ كما تعلمون ليست بالأمر الهين ...
و هكذا نشأت الإلياذة و وصلت في بضع أشهر إلى ستمائة و عشر أبيات ، ألقاها مفدي في الملتقى السادس للفكر الإسلامي سنة 1972 بحضور جمع غفير و من كل الدول على رأسهم الرئيس الراحل هواري بومدين .
و لم تتوقف إلياذة الجزائر بمجرد إلقائها في اليوم الذي أعدت له ، بل واصلت طريقها و اعتبرها مؤسسوها بمثابة السجل التاريخي الذي سيعود له الشباب في المستقبل إن أرادوا أن يتعرفوا على تاريخهم و لذلك واصل مفدي زكريا نظمها إلى أن وصلت الواحد بعد الألف أي ألف بيت و بيت .
و قد قسم مفدي الإلياذة إلى قسمين : قسم الجمال أي الجمال الطبيعي للبلاد و قسم الجلال و إن تداخل القسمان أحيانا .و إليكم البعض من هذه الرائعة :
بدأ مفدي مقطوعته الأولى كما يلي:
جزائر يا مطلع المعجزات
ا حجة الله في الكائنات
و يا بسمة الرب في أرضه
و يا وجهه الضاحك القسمات
ثم إلى البيتين الأولين من المقطوعة الثانية :
جزائر يا بدعة الفاطر
و يا روعة الصانع القادر
و يا بابل السحر من وحيها
تلقب هاروت بالساحر
و إلى تلك الرائعة :
و أوقفت ركب الزمان طويلا
أسائله عن ثمود و عاد
و عن قصة المجد من عهد نوح
و هل ارم هي ذات العماد
فأقسم هذا الزمان يمينا
و قال الجزائر دون عناد
[ثم ها هو ينشد لثورة نوفمبر و لرجالها البسلاء الذين ضحوا بحياتهم لأجل حرية لم ينعموا بها
و طالت خرافات حرب الكلام
و ما بلغ الشعب فيه المرام
فامن بالنار من عرفوها
و من كاشفتهم بسر النظام
ثم يتغنى بنوفمبر المجيد:
]نوفمبر جل جلالك فينا
ألست الذي بث فينا اليقينا
إلى أن يقول :
جمعنا لحرب الخلاص شتاتا
سلكنا به المنهج المستبينا
و لولا التحام الصفوف وقانا
لكنا سماسرة مجرمينا
فليت فلسطين تقفوا خطانا
و تطوي كما قد طوينا السنينا
و بالقدس تهتم لا بالكراسي
تميل يسارا بها و يمينا
و لكن هل سمعتم عن مناضل أو زعيم ، حر لا تطاله الاستفزازات ، الأقاويل فقد اضطرته ظروف تسبب فيها البعض إلى عدم استقراره في البلاد فكان ينتقل بين الشقيقتين تونس و المغرب و رد على المغرضين قائلا
بلادي وقفت لذكراك شعري
فخلد مجدك في الكون ذكري
و ألهمتني فصدعت الدنا
بإلياذة في اعتزاز و فخر
ثم يضيف
و قالوا هجرت ربوع البلاد
و همت مع الشعر في كل وادي
أجل قد بعدت لازداد قربا
و يلهب حب بلادي فؤادي
أرى في كيان الجزائر ذاتي
بكل اعتزاز و كل اعتداد
إني بتخليد مجد بلادي
مقدم على العهد رغم البعاد
]و أخيرا و كأنه أحس بدنو أجاه إذ توفي بعد ذلك بقليل ، و ها هو يمجد بلاده لاخر مرة و يودعها الوداع الأخير قبل أن يعود إليها جثمانه الهامد على متن طائرة تقله من تونس بأمر من الرئيس الراحل هواري بومدين ليواري التراب في بلده و بالذات في مسقط رأسه وادي ميزاب و بالتالي قدر عليه أن يموت بعيدا عن الأرض التي تغنى بها حياته كلها و تبين في الأخير أنه لم يكن يسرد تاريخ الجزائر بطريقة شعرية جميلة فقط،إنما كان يحكي حكايته في حب وطنه و لذلك كان اخر ما أنشد :
بلادي الأمان الأمان
أغني علاك بأي لسان
جلالك تقصر عن اللغا
و يعجزني فيك سحر البيان
إليك صلاتي و أزكى سلامي
بلادي الأمان الأمان
وكان بقاءه في بلاد الغربة كل هذه المدة جعله في اخر المطاف يحن إلى وطنه و يعترف أنه لم يجد الأمان إلا في ربوعها ، فالغربة و مهما كانت في ظروف مريحة فإنها لن تشعرنا بالأمان الكافي و لابد أن أتطرق إلى تلك الرائعة التي كان يختم بها كل مقطوعة و كانت النشيد الذي يتغنى به كل مواطن يحب وطنه و يفخر به
شغلنا الورى و ملئنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
كانت هذه البعض من مقتطفات الحكاية الشعرية التي تفنن في كتابتها المناضل و المجاهد و الشاعر مفدي زكريا