هي الشمس في عليائها ، إذا أقبلت أضاءت أركان حياته التي عشش فيها الظلام قبل أن يراها .وإن نطقت غرد لها نبض فؤاده الذي لم يكن يشعر بوجوده في صدره حتى أطلت بحسنها في حياته .
رقيقة كنسمات صبح ندي ، عذبة الملامح تكسو وجهها مسحة ملائكية ، هادئة الطباع كأنها طيف خفيف يعبر بخاطره مرات ومرات .
هكذا كان ( أحمد ) يرى محبوبته ، تلك الفتاة رائعة الحسن والشيم ، سكنت حنايا فؤاده منذ كانا بالدراسة الجامعية ، ونما عشقه لها يوما بعد يوم دون أن يدور بينهما حوار واحد .
وكانت ( سحر ) رغم ما يزينها من حسن يجذب إليها كل من يراها قليلة الاختلاط اللهم إلا بالقليل من زميلاتها مما جعل ( أحمد ) يخشى أن يتقرب إليها مخافة أن تصده فتمزق أمله الذي يحيا عليه .
وانتهت الدراسة دون وداع يسليه على فراقها ، وعمل ( أحمد ) بأحدى الشركات ، ويا له من قدر يرتب حياتنا دون أن ندري ، ففي نفس الشهر تسلمت ( سحر ) العمل بنفس الشركة التي يعمل بها فاستعاد لحظات جميلة ظن أنها لن تعود ، وما هي إلا شهور قليلة بدأت أطراف الحديث توطد علاقتهما وإن لم تتعد حدود العمل ، ومرت الأيام على ( أحمد ) طويلة كالدهر بعد أن غرق في بحرالتردد تأخذه موجة وتلقيه أخرى . هل يصارحها بحبه ويبوح لها بما باحت به عيناه ؟ أم يؤثر الصمت حتى لا ينهار حلمه وتنقلب حياته؟
وبعد صراع مرير بين قلبه وعقله إنصاع لنداء قلبه ، قرر أن يقر لمحبوبته بعشق السنين الذي حفر حبها على جدران قلبه.
ورن جرس الهاتف فالتقط السماعة بشغف فاخترقت مسامعه دندنات صوت لم يسمع لرقته مثيل . طلبت منه ( سحر ) موعدا للقاء فأجابها لطلبها دون تفكير وذهب لموعدها يسابق الريح يحمل معه عبق سنوات مضت من عمره لم يعشها إلا ليبلغ ذلك اليوم الذي طال انتظاره .
وفي الزمان والمكان جاءت تلك الحورية التي طالما حلم بها تتراقص على خطواتها أزهار الحديقة ، سلمت عليه فتجمد لملس يديها الدم في عروقه ، وبابتسامة يقفز لرقتها الفؤاد من مكانه ناولته خطابا التقطه بشوق وفتحه يقرأه فضاعت بسمته وخر من فوق جبال أحلامه إلى واد ٍ سحيق .
لقد كانت دعوة لحضور حفل زفاف الأستاذ ( محمود ) مدير القسم بالشركة التي يعمل بها على الآنسة ( س )
سقطت الدعوة من يده آخذة معها ( أحمد ) مغشيا عليه حاملا ً بقايا حلمه الذي انهار فوق رأسه .
وما هي إلا ساعات أفاق بعدها في المستشفى على يد رقيقة تمسح جبينه فإذا بها تلك التي هدمت حلمه وبددت فرحته قبل أن تولد ، ورغم ذلك لم يستطع أن يوجه لها سوى ابتسامة على شفتيه .
" ألف سلامة " قالتها وهي تبتسم ابتسامتها المعهودة سألته بعدها عما حدث ، فرد عليها بأسى " مبروك أتمنى لك حياة زوجية سعيدة " فرمقته ( سحر) بنظرة تعجب مستفسرة عن قصده ؟
أخبرها أنه لم يكن يحدث له ما حدث إلا عندما قرأ حرف اسمها بالدعوة فتعالت ضحكتها قائلة :" إن أول حرف لا يخصني ولكن يخص العروسة ، أختي ( سماح ) "
" أنا لا يمكن أن يدق قلبي إلا لمن أحبني كل هذا الحب الذي نطقت به عيناه منذ أيام الدراسة ، لن أكون إلا لمن كان سيفقد حياته لمجرد ظنه أني سأضيع منه "
مدت يديها ممسكة بكفيه في حنان " لن أكون زوجة إلا لك ".
أخذ بكفيها برفق يطبع عليهما قبلة طويلة ثم قام وكأنه لم يكن به تعب قائلا ً :
" الآن فقط أبدأ حياتي "