مدينة الأشباح, من وحى مسلسل ظل المحارب
مرسل: 07 نوفمبر 2008, 9:28 pm
فى الفترة الأخيرة...قل أن تجد أعمال درامية على الساحة الفنية تحمل هدف ومضمون مفيد..قل أن تجد عمل أدبى روائى رائع يتحول إلى صورة وأشخاص وفنانين ينقلون تلك الرواية من الورق إلى الحياة فى صورة ثلاثية الأبعاد...شهدت الفترة الأخيرة موجة من تحويل الروايات إلى أفلام ومسلسلات لانود الخوض فى أسمائها لأن أغلبها لم يكن على المستوى المطلوب, ورغم عدم متابعتى الشخصية للمسلسلات الحالية لسطحية مواضيعها.. إلا اننى أريد أن أتحدث عن مسلسل لم أشاهد مثله تقريبا منذ عدة أعوام...فى صياغته..ضخامة انتاجه..حبكة قصته وتشويقها..ضخامة الميزانية الأنتاجية حتى وصلت إلى 14 مليون جنيه للإنتاج فقط دون النجوم! إنه المسلسل الرائع...ظل المحارب. "كربستان " دولة افتراضية, لم يعين طوال المسلسل ماهى أبعادها..مكانها..ترك كل هذا معلق ليترك للمشاهد تخيل الإسقاط الذى يناسبه فكربستان قد تكون العراق..أفغانستان..فلسطين..قطر..أو أى دولة من دول العالم الثالث..وهذا فى حد ذاته رؤية وفكر مبدع. يركز المسلسل على نظرية الزعيم الأوحد...وكيف ان هذا الزعيم الأوحد قد يؤدى إلى غرق سفينة وطنه وأهله..إذا لم يستطع أن يمسك الدفة ويقاوم الأمواج...الأمواج فى المسلسل هى الدول الخارجية والتى صورها المسلسل فى صورة فانتازيا شبه واقعية متمثلة فى الــ A.W.C وهى منظمة عالمية تحاول أن تعقد اتفاق مع زعيم كربستان على استكشاف البترول واليورانيم فى كربستان و يعطى هذا الأتفاق الحق لهذه المنظمة بأخذ نسبة كبيرة من موارد الدولة لمدة مائة عام كاملة! يثور الشعب على القائد الأوحد وتقوم ثورة فى البلاد معارضة لهذا الأتفاق..تمضى الأحداث وتتوالى..لاأريد أن أصف المسلسل بالتفصيل فلا يمكن مهما كان وصفى دقيقا أن أجمل عمل مثل هذا فى مقال واحد...لكنى أريد أن أصل بالأحداث إلى نقطة وحلقة فى المسلسل هى سبب عنوان مقالتى...مدينة الأشباح... يقوم الجيش بالهجوم على مقاطعة يتجمع فيها قائدى تجمعات الثورة بأوامر من رأس الأفعى المتمثل فى مندوب المنظمة...أدم سميث..ويتشاور القادة فى أمرهم, فيقول بعضهم بالبقاء فى المقاطعة والقتال حتى الموت..ويقول الأخرين بالهروب إلى الجبال نظرا إلى قلة السلاح والعدد..وفى النهاية يأتى القائد البديل ( الكومبارس ) عامر..لينظم خطة مفادها سحب أهل المقاطعة جميعهم إلى الجبال..ونصب كمين للجيش المهاجم..مقتبسا خطته من رواية العظماء السبعة التى تحولت إلى فيلم واقتبس منها فيلم عربى " شمس الزناتى " يدخل الجيش إلى المقاطعة مستعدا للقتال...ليجد مدينة من الأشباح...لا سكان...لاثوار..لامقاومة...لايوجد أى مخلوق حى أمامهم وبدلا من أن يكون هذا خبرا مفرحا كان بالنسبة لهم يمثل رعب الدنيا...وحاولو الهروب والأنسحاب ليخرج لهم الكمين من فوق الجبال ليدمر رجال الثورة القلائل بأسلحة قليلة وقديمة جيش من الدبابات والجنود..ويجبروهم على الهروب.. زكرنى هذا المشهد بالتحديد بمشهد أخر قديم على أرض الواقع..عندما دخلت القوات الأمريكية العراق...وتذكرت كم كان الكل يجزم بأن هذه خدعة وأن هناك " شئ ما " سيحدث..كمين منصوب..أى شئ..أى أمل كان الكل يتعلق به هربا من مواجهة الحقيقة المرة أن القوات الأمريكية دخلت إلى العراق حقا..ولكن الساعات مضت..حتى أعلن دخول أخر جندى أمريكى إلى العراق...ونرى تمثال صدام يحطم...وبعض العراقيين يخرجون مرحبين بالجيش الأمريكى وكأنهم جيش التحرير الذى جاء لهم ليحررهم من الطاغية صدام حبا فيهم وتغزلا فى جمالهم! عندما شاهدت مسلسل ظل المحارب ورأيت هذا المشهد بالذات ضحكت...فى مرارة..لأن هذا المشهد كان بحذافيره ماتخيلته سوف يحدث ساعتها عند احتلال العراق...ولكنه لم يحدث..إلا فى عمل خيالى..ولكنه يستحق كل الإشادة..لأن كربستان...هى كل دولة عربية يحاول قائدها الأنفراد بحكمها وقهر الشعب أو تحاول الأيادى الأجنبية نهب ثرواتها.. فى النهاية, تحية واجبة من القلب لكل من شارك فى هذا المسلسل الذى ذكرنا بالأعمال الحربية الضخمة التى لم نرها منذ أخر أفلام صورت عن بطولات حرب أكتور والتى نشاهدها منذ أن ولدنا كل عام دون أن يكون هناك أى عمل جديد يؤرخ لهذه الفترة التاريخية العظيمة أو غيرها..وكأن السينما والفن لم يعد يتناول إلا المواضيع التافهة وكوميديا الأفيهات المتدنية...فدعونا على ذكريات الأعمال الهادفة.. حتى نلتقى...فى مدينة أخرى..أو ظل محارب آخر...