الرسالة

المشرفون: Ghadat2009،نبضة...

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
dr asmaa
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 123
اشترك في: 04 نوفمبر 2009, 8:18 pm
Real Name: أسماء مصطفى
Favorite Quote: اللهم أسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك
verification: ID verified and trusted writer
مكان: الإسكندرية
اتصال:

الرسالة

مشاركة بواسطة dr asmaa »

الرسالة ..
*** *** ***
خرج من بيته فى هذه الساعة المبكرة من اليوم، الشمس لم تظهر فى الأفق البعيد، السحب تملئ السماء، والسماء تبدوا حزينة، قلقة، أو ربما تكون مريضة، يؤلمها بعض الأمراض ولكنها لا تستطيع الصراخ أو البكاء، الرياح تهب بشدة، الجو ملئ بالأتربة الصفراء، الشوارع خالية، والناس نيام، وهو يسير منفرداً حزيناً..وبالرغم من سوء الجو إلا أنه لا يرتدى أكثر من قميص وسروال يعلوهما بالطو جلد أسود يبدو من مظهره أنه غالى الثمن راقى الذوق إلا أنه لا يخلو من بعض العيوب التى أصابته بتكرار وكثرة اللبس والاستخدام..، يمسك فى يده لفافة ورق يبدو من مظهرها أنها فارغة من أى كلام …أخذ يسير وحيداً، قلبه يبكى، قدماه تسيرا إلى الأمام وعقله يسير إلى الخلف ليتذكر ويتذكر.
يتذكر نفسه منذ عامين، كيف كان الفتى المدلل، وحيد أبويه، لا يهتم إلى بمظهره وأناقته، لا يعنيه من الدنيا إلا تلبية أوامره، ولا يفكر إلا فى العربة والموبايل والدش والنت، كان ينظر إلى المستقبل على أنه ليلة جميلة يقضيها مع بعض الفتيات اللاتى يحيطن به فى كل مكان.
على الرغم من أنه يعيش فى فلسطين المحتلة إلا أنه كان مغمض العينين، شريد الذهن، غائب العقل… كم كان تافهاً حينذاك عندما كان يعيش لنفسه ولا يرضى إلا غروره وكبريائه فى الوقت الذى يموت حوله آلاف الشهداء ويتشرد مئات الأسر ويتيتم الأطفال.
كم كان حقيراً عندما كان يرى مناظر الدماء وجثث الشهداء ووجوه الضحايا ولا يتأثر ولا يفكر ولا يستنكر.
مر كل هذا فى ذهنه بسرعه وهو يسير , بدأ يسترجع الذكريات.. تذكر اليوم الذى غير وقلب كل حياته… ففى ذلك اليوم كان فى الطريق إلى بيته بعدما انتهى من إحدى سهراته الليلية، وفى الطريق سمع صوت القنابل والمدافع ممتزجة بصوت العويل والصراخ، ومن بعيد رأى النار تلتهم أجزاء من المدينة، أخذ يجرى ليقى نفسه فوهات المدافع وألسنة النيران… وفى الصباح علم أن أبويه قد ماتا فى هذه المجزرة، أسرع إلى بيته ليتحقق من الأمر، فلم يجد البيت ولم يجد أهله بل وجد أكوام ترابية ممتزجة بدم وجثث الضحايا، وعندما حاول إخراج الجثث وجد هذا مستحيل، لأن الجثث قد تحولت إلى تراب ورماد من قوة وقسوة المدافع وشدة الحريق.
كم حجم المرارة التى شعر بها، فجيش الاحتلال حطموا كل شئ، حتى الجثث لم يتركوها له ليستطيع أن يدفنها و يبكى عليها..
انتفض جسمه مرة واحدة عندما تذكر هذا اليوم وسقطت دمعة من عينيه وهو مازال يسير، نظر خلفه وجد أنه تجاوز أكثر من نصف الطريق. رمى بكل هذه الأفكار والذكريات خلفه وأخذ يسير متجهاً إلى هدفه، الهدف الذى بات ليلاً ونهاراً يحلم به، ولن يتراجع عنه مهما حدث، خرج فى هذا اليوم كمحاولة منه لتصحيح الأوضاع، ليحتج على الماض ويحاول تصحيح المستقبل.
خرج لكى ينتقم… ينتقم من نفسه ومن سنوات عمره التى مرت دون هدف أو فائدة،..ينتقم من الأعداء الذين احتلوا أرضه وأرض أجداده وأبادوا آبائه وأولاده..
أخذ يسير بخطوات ثابتة، ينظر إلى الأمام، لا يعنيه رطوبة الهواء، أو قطرات الماء القليلة الرقيقة التى بدأت تتساقط شئ فشئ من السماء.. وبدأ يتذكر من جديد..
فعلى الرغم من شجاعته وقوته التى تبدو عليه الآن إلا أن القرار كان صعب... صعب جداً، هو أصعب قرار اتخذه فى حياته..
فى البداية وعندما بدأ يفكر فى التضحية وجد نفسه ضعيف… أضعف من أى قرار وأضعف من أى تضحية، أخذ ينظر إلى الدنيا بنظرة شاملة، وبدأ يحلل كل ما يدور حوله، يتذكر دماء الشهداء وقسوة المحتلين فتزداد قوته وصلابته ويتمنى أن يضحى بكل شئ...، ثم تأتى فى ذهنه صورة لبعض شباب فلسطين وبعض شباب البلاد العربية وكيف أصبح حالهم وكيف وصل بهم حب الذات واللامبالاة أقصى الحدود، كيف يعيشون بلا هدف أو فائدة، يسخرون من الكبير ويجيرون على الصغير، وكيف يجلس الشباب بالساعات أمام النت للدخول على مواقع ممنوعة دينياً واجتماعياً، تدفقت أمام عينيه مشاهد الشباب الجالسين على المقاهى ليس لهم عمل سوى اللعب والضحك، وشباب الجامعات الذين ليس لهم وظيفة سوى الجرى وراء البنات، وكيف أصبحت معاملات الأبناء للأباء.
عندما كان يتذكر كل هذا كان يلغى قرار التضحية والانتقام، ويقول لماذا أضحى أنا؟! وهل سيستيقظون من غفلتهم أم سيظلوا نائمين؟! ثم يرجع ويتذكر أبوه وأمه، ويرى أراضى العرب ممزوجة بالدماء، ويسمع أصوات الأطفال الجياع والنساء الأرامل، ويرى قبور الشهداء، و مناظر أخرى من الشباب الجاهدين العاملين، ويسمع صيحات المجاهدين فيذوب عشقاً للشهادة والتضحية…
استمر فى السير، الهدف يقترب ويقترب وهو يسير بخطوات ثابتة، يتجه نحو المعسكر الإسرائيلى الذى يراقبه منذ أسابيع.
أخذ يتقدم ويتقدم، الرياح تهب من جميع الاتجاهات، المطر ينزل بغزارة، السحب تملئ السماء، والسماء تبدو حمراء وكأنها عين حمراء احتبست فيها الدموع من شدة البكاء.
وقف أمام المعسكر، هتف الجنود، استمر فى السير، صوبت جميع المدافع نحوه، استمر فى السير. تحفزت المدافع وأطلقت النيران، وهو مازال يسير، أصيب جسده بالعديد من الطلقات وسقطت لفافة الأوراق من يده وتطايرت فى الهواء، الطلقات تزداد وتزداد، يسقط على الأرض، جسده ينزف بالدماء، القذائف والأوراق تتساقط عليه، صيحة انتصار عالية من الأعداء، الأوراق تسقط عليه وتختلط بالدماء، وفجأة حدث الانفجار، واشتعل المعسكر بالنار، وتطايرت جثث الأعداء وصاحت السماء وزرفت بالبكاء، وتطاير الأتربة فى الأجواء، وانهمرت الأمطار من السماء واختلطت بالأوراق المخلوطة بالدماء، ودوى انفجار وراء انفجار وسقط المعسكر على الأشرار، ولم يبق من هذا الانفجار ولم يبق من جسد الشهيد الملغم بالقنابل سوى تلك الرسالة التى تركها البطل لجميع الأجيال…
الرسالة الفارغة من الكلمات والمكتوبة بخليط من الدماء ودموع السماء…
فهل سنستوعب الرسالة ؟… هل؟!!!
آخر تعديل بواسطة dr asmaa في 03 إبريل 2010, 9:07 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
محمد محمود
مشرف قسم الأشعار
مشاركات: 1070
اشترك في: 06 نوفمبر 2008, 4:40 pm
Real Name: محمد محمود حسن
Favorite Quote: إلهــــي لا تعذبني فإني
مقر ٌ بالذي قد كان مني
verification: ID verified and trusted writer
مكان: الإسكندرية
اتصال:

Re: الرسالة

مشاركة بواسطة محمد محمود »

قصة رائعة يا دكتورة أسماء
أسلوب شيق للغاية ، بداية من تصويرك الرائع للمشهد في أول القصة ، واستخدامك لألفاظ دقيقة تعكس الواقع الذي يعيشه البطل .
ومروراً باحتفاظك بكم التشويق حتى السطور الأخيرة .
وكانت نهاية القصة أكثر من رائعة ، شابٌ في عمر الزهور تزفه دموع السماء إلى رحاب الجنة ، و يساق أعداؤه إلى ظلمات الجحيم .
دام إبداعك و سلمت يداك .
تواضع تكن كالبدر لاح لناظر ٍ على صفحات الماء وهو رفيع ُ
ولا تك كالدخان يعلو بنفســه إلى طبقات الجو وهو وضيـــع ُ

صورة


صفحتي الشخصية
أحمد فتحي النجار
أكاديمى فعال
أكاديمى فعال
مشاركات: 60
اشترك في: 03 نوفمبر 2008, 12:09 am
Favorite Quote: الناس في غفلة فإذا ما ماتوا إنتبهوا
verification: ID verified and trusted writer

Re: الرسالة

مشاركة بواسطة أحمد فتحي النجار »

السلام عليكم
القصة من الناحية الأدبية والسردية تؤكد الموهبة وتبشر بقاصة جيدة رغم أن القصة بها بعض الجمل التي تحتاج لإستئصال بمشرط طبي دقيق لأنها بدأت زائدة ولم تضيف الكثير ولكنها بدأت كالهانات التي لابد أن ترفع لتزداد القصة قوة وتصل لمرحلة الجودة
وتقبلي موفور تحياتي
صورة العضو الرمزية
سندريلا
مشرفة قسم الخواطر
مشاركات: 795
اشترك في: 28 إبريل 2009, 8:51 pm
Real Name: جيهان راضي
Favorite Quote: المرأة عاشت ألوف السنين مثل مرآة تعكس صورة للرجل أكبر و أجمل من الحقيقة !
verification: ID verified and trusted writer
مكان: my own world
اتصال:

Re: الرسالة

مشاركة بواسطة سندريلا »

مساء الخير دكتور أسماء ...
قصتك جميلة جدا بالرغم من التعبير عن فكرة القصة بأشكال مختلفة من قبل إلا أنك ميزتِ رقصتك و فكرتها بتلك الرسالة الهادفة هل ... ؟
سؤال واحد من كلمة واحدة تحمل الكثير من المعاني ... عبرتٍ عن مشاكل أجيال عدة في مختلف الدول العربية بشكل مختصر لكن مميز ... الإسلوب ممتاز سلس و بسيط ... تحياتي لكٍ مع تمنياتي بدوام الإبداع ...:) flower1
أضف رد جديد

العودة إلى ”قصص فصحى“