صفحة 1 من 1

الشهر الرابع , لقاء (قصة قصيرة) المركز الثانى: غادة يسرى

مرسل: 22 ديسمبر 2009, 7:19 am
بواسطة Ghadat2009
صورة
مسابقة الشهر الرابع - 2009

مجال القصة القصيرة

بعنوان

(لقاء)

المركز الثانى

(غادة يسرى)

***


أحزان و ذكريات... و الكثير من الألم .... استغرق في التفكير و التأمل...بل والتساؤل ... لم يحدث هذا ؟ لم يقصد بسؤاله الاعتراض و أنما هو يعيش حالة من الحزن العميق .. المؤلم .. المُبكي !
التقى اليوم بالكثيرين..حاولوا التهوين عليه و تذكيره بجوهر الحياة و معناها... لكنه ظل قابعا في كرسيه..... منكمشا على نفسه .... يعاني من صراعات منهكة بين مشاعره وعقله و قلبه و روحه ....ماذا الآن ؟ يجب عليه تحمل الكثير من المسؤوليات والهموم ! ولكن الى أين يذهب به هذا الحمل الثقيل؟ لم يكن أبدا من النوع المتحمل للمسؤولية أو المهتم بتحملها ... فقد اعتاد أن يُحمّل أعباءه على المحيطين به و يضحك في قرارة نفسه منتشياً بانتصاره !
انهمرت دموعه وهو يذكر أيامهما معه ! أحس بغصة في حلقه عندما تذكر بمرارة كم كان متعباً بل مزعجا مع كل من أحبوه بإخلاص ! و كم من الليالي مضت عليه لا يأبه إلا لنفسه و لسعادته الوهمية ! إزداد تدفق دموعه و هو يتذكر كيف كان يأبى تقبل النصح ممن يتمنّون له الخير و النجاح .... اندفعت سيول ساخنة من مقلتيه عندما أحس بمن فقد ... بما سيشعره بوحدة مريرة طوال عمره ....بفقدان حضن حنون عليه صابر على هفواته و أخطائه ...
استجمع مابقي من قواه ... مشى مستندا الى كل ماحوله ... مقاوما الدوار العنيف الذي أحسه منذ أن تلقى الخبر و صُدم ... يجب أن لا يضيع عليه هذه الفرصة الأخيرة للقائه ... سيجر أقدامه جرا بل سيزحف إذا اضطر لذلك !
خرج من الغرفة من خرج .. كل منهم يربت على كتفه قائلا :" جعلها الله آخر الأحزان ... صبّرك الله ...." وكلما تقدم خطوة باتجاهه... أحس بروحه الطاهرة تملأ المكان بعطر لا يوصف ...ووصل أخيرا ... يالها من ابتسامة رضا تلك التي على محياه ... ما هذا الهدوء؟ أخبره أحدهم أنه قال بعد اشتداد ألمه أنه ذاهب للقاء محتوم ! ونظر أمامه ثم ابتسم ابتسامته الراضية تلك و تمتم بكلمات بصوت كالهمس ... ثم أغمض عينيه بدعة و سلام !
لم يتصور أن لقائه الأخير بأخيه سيخفف عنه بشاعة مصابه فيه ... أحس بشيء من الطمأنينة تتسرب الى نفسه ... و بدأ يدعو له ثم أخذ يحاول متابعة اجراءات الدفن لحبيب عمره و ناصحه الأمين ... لأبيه الروحي و صديقه الصدوق .....لأخيه الفقيد
و فجأة .....
حضرت أختها..... نظرت اليه لوهلة و بدا عليها شيء من الاضطراب و التردد .. ثم قررت الكلام : لقد آن الأوان ....قد حانت الساعة ! نحن ذاهبون ....
ذاهبون! ماذا؟ الآن!! ماذا يفعل ؟ طلب اليها الذهاب و سيجتهد للحاق بهم .... عمل مابوسعه للإسراع ...أراد أولا أن يكرم أخاه بالإسراع في دفنه .... ثم رغب في الاجتهاد في الوفاء بدين كبير ..!

جفت الدموع من عينيه و لم تجف من قلبه و روحه فيما تسارعت خطاه في الردهة الطويلة التي بدت أطول وأطول من أي ردهة ..... طرق الباب بيد مرتجفة ثم دخل بعد برهة من سماع صوتها الضعيف المنهك تدعوه للدخول .... حياها ثم حمد الله على سلامتها ... وأجابته بعينين قد ذبحتا ألما و بكاءاً و أشارت الى ركن من الغرفة ....إلى حيث ذهب و حملها بكل رقة و حنان بين ذراعيه و انخرط في بكاء أليم بغير دموع... ناظرا الى وجهها البريء الصغير الجميل ...اعتصرت قلبه بنظراتها و أحس أنها تكاد تسأل عن أباها الذي وارى جثمانه منذ وقت ليس ببعيد! " لا تجزعي يا حبيبتي ... لا تحزني يا طفلتي ... فغدا نلقاه ... و نلقى بارئنا "

تساءلت الممرضة : " ماذا ستسمونها ان شاء الله ؟ "
فنظر الى زوجة أخيه الحزينة.. نظرة ذات مغزى و قال : " سنسميها ....... لقــاء ! "