الشهر الحادى عشر, (روبوت), المركز الثالث: أحمد فتح الله
مرسل: 04 نوفمبر 2009, 4:55 pm
مسابقة الشهر الحادى عشر - 2009
مجال القصة القصيرة
بعنوان
(روبوت)
المركز الثالث
(أحمد محمد فتح الله)
عنوان فرعى
(تمرد الروبوتات)
***
مجال القصة القصيرة
بعنوان
(روبوت)
المركز الثالث
(أحمد محمد فتح الله)
عنوان فرعى
(تمرد الروبوتات)
***
هل تتخيل أن رئيساً لأحد أقسام البحث العلمى لا يمكنه أن يحصل على الروبوت الخاص به؟؟...ثلاثون عاماً أسعى فيها لأناله ..منذ أن اصطحبنى والدى لذلك الفيلم الشهير حيث يتبارز الآليون بسيوف الليزر و من يومها و حلم الطفل يراودنى طوال حياتى..تصور معى مقدار السخرية التى ينالها طفل فى السبعينيات و هو يجيبهم بثقة على سؤالهم السمج ( نفسك تطلع إيه يا حبيبى؟؟) فيقول..مهندس روبوتات يا (اونكل) ، لم أحفل بضحكاتهم الهازئة و تعليقاتهم السخيفة و لم يتخل عنى الحلم - كما أخبرنى والداى- عندما كبرت بل على العكس ظل يلح على رأسى و يدفعنى لإلتهام أى شئ يتحدث عن هذه الكائنات - إن جاز التعبير- العبقرية...كتاب..برنامج..فيلم.
و لهذا أظن من السهل عليك فهم سبب تصميمى على دخول كلية (العلوم) ففيها سأقدم تلك التخطيطات الأولية التى أعددتها - هكذا أعتقدت - و بالطبع أظنكم توقعتم ردود الفعل...البعض قابلنى بغضب شديد غير مفهوم و أخرجنى من مكتبه مصحوباً بتعليقات مثل ( ضيعت وقتى فى كلام تافه...لعب عيال )...و بعضهم كان أكثر هدوءا و هز رأسه فى حكمة و هو يقول ( كلام جميل و ممتاز و من الواضح أنك شاب نشيط و محب للعمل...أنا أرى أن تصمم لنا مروحة تساعدنا فى هذا الجو الحار) و يخرج منديله ليمسح عرقه و يقول بذات النبرة الحكيمة التى تحمل خبرة السنين (فى الماضى كان الصيف هو شهرى يوليو و أغسطس فقط لكن فجأة صارت السنة كلها صيف...أووف)...فقط القليل منهم الذى نظر لى بتحسر على حماستى و أنا أشرح له عن تصميم الروبوت و كيف سأضع فى ذاكرته مجموعة كبيرة من الأوامر دون تداخل بينها فيهز رأسه فى أسف و يقول ( هذه التصميمات لن تصلح هنا..فقط بالخارج سيهتموا بعملك)...
كاد اليأس أن يتملكنى وسط كل هذه الإحباطات لولا أن أخبرنى أحدهم عن مركز البحث العلمى و كيف أن بإمكانى -إن كنت متفوقاً- أن أعمل فيه و هكذا يصحو الأمل مرة آخرى و أوجه تعبى تجاه دراستى فأتحمل مناهج مليئة بالحشو و الهراء مقابل أن أنال تلك الوظيفة و بالتالى سأنال روبوتى الخاص بى أو هذا ما تصورت...
و مع تخرجى و تعيينى بالمركز بدأت سلسلة جديدة من المعاناة...دعنى أشرح لك أولاً مصطلح (عدم تخطى التدرج الوظيفى) فبموجب هذا المصطلح لا يحق لك إلا مخاطبة رئيسك المباشر و مناقشة مشروعك معك ثم تنتظر خمسة عشر يوماً حتى يكون بإمكانك مخاطبة رئيس رئيسك المباشر و هكذا قضيت عامى الأول منتظراً أن يحادثنى أى شخص بخصوص ما قدمت ، بعدها فهمت من ذوى الخبرة بالمكان أنى لن أكون قادراً على توصيل أى عمل لى إلا عندما أصير موظفاً (درجة ثانية) و عندما استعلمت عن عدد السنين اللازم لأنتقل من الثالثة للثانية أخبرونى أنها ثلاثة عشر عاماً!!!
جن جنونى عندما سمعت هذا الرقم و ضربت كل اللوائح عرض الحائط و ذهبت لمكتب رئيس القسم الذى سمح لى بعد عناء بالدخول و لقد كان الرجل واسع الصدر فاستمع لى و أخذ مشروعى وخصم - باسماً- يومين من مرتبى لأنى تخطيت رؤسائى!!
لم يفت الخصم فى عضدى لأنى فى المقابل أخذت وعداً بأن يرسل مشروعى للجنة انتقاء المشاريع و طال انتظارى بأن يبلغنى أحد بأى جديد أو أن يطالبنى أحد بأن آتى و أناقش تفاصيل المشروع فذهبت مرة آخرى للمدير و بعد عناء دخلت فإذا به لا يتذكرنى على الإطلاق فشرحت له من جديد و عندما طالبنى بملف المشروع كنت محرجاً أن أخبر هذا الوجه البشوش أنه حصل عليه من قبل فوعدته بإحضاره فى القريب العاجل و بالطبع بدا مرحباً للغاية و هو يعطينى خصماً ليومين جديدين!!
و حتى لا أطيل عليك حصلت فى النهاية على ورقة تحمل امضاءه تسمح لى بأن أذهب و أسلم مشروعى بنفسى لقسم عرض المشروعات و اطمأن قلبى و أنا أراه يوضع على الرف بانتظار دوره و يومياً أتسلل بنظرى فأراه كما هو بغلافه الأزرق الأنيق تنمو على سطحه طبقة من الغبار، و بعد كثير من الملل قررت أن أسأل ذلك الشيخ العصبى المسئول عن الملفات و بعد أن تحملت الكثير من كلامه عن تعجل الشباب و تميزه بعدم الصبر وافق أن يقوم من على كرسيه فينظر فى دفتر ضخم يحمل فى بطنه ورقات صفراء منهكة و يخبرنى أن ملفى يحمل عدداً يتكون من أربع أرقام ثم أخذ يهز رأسه كأنه يزنها فى رأسه قبل أن يقول بصبر الجمال..( معك من أربع لخمس سنوات حتى يأتى دورك) و هكذا صار تقديم مشروعى مثل الانتظار فى طابور إسكان الشباب
أظن أنه لا يوجد أى داعِ لأخبرك بالباقى فأنت تعرفه لوحدك ، يجيئ دورى و يُناقش المشروع و للمفاجأة يتم قبوله فيكون معنى هذه الخطوة هى انتقال الملف من رف إلى رف جديد فى غرفة جديدة...هكذا اكتشفت أنه لا يُرفض عندنا مشروع و أيضاً لا يُنفذ أى منها!!!
و بمرور الوقت تصير حكايتى مع الروبوت موضع تسلية لكثير من الموظفين حتى أصبح من الطبيعى لدى العديد منهم أن يلقانى فى الصباح فيلقى عليّ التحية قائلاً بطريقة آلية ( كيف..حالك..يا..استاذ..(مدحت)؟؟ ..و..المدام..و..الأولاد) فابتلعها بابتسامة حزينة ، حتى يوم صرت رئيساً للقسم لم استطع إقناع باقى المدراء بتمويل المشروع فهو دوماً بحاجة للمزيد من اللجان و الأبحاث التى تدرس و تدقق قبل إهدار مال الدولة فيما لا يفيدها!!!
- باشمهندس ( شكرى) فى الخارج يطلب الدخول
كانت هذه من (منصور) مدير مكتبى المتمرس فى الوظيفة منذ عقود فأرد عليه ببرود اكتسبته من عملى بالمركز قائلاً:
- دعه يدخل يا (منصور)....أخبرتك ألف مرة أن تُدخل الباشمهندس على الفور دون أن تسألنى
لولا (شكرى) لكنت تركت الروبوتات و اكتفيت بما جلبته على رأسى من سخرية و توتر، جاء بعدى بحوالى عشر سنوات يحمل معه حماسة شباب لم تنضب بعد و كان الوحيد الذى تحمس لمشروعى و أراد أن يشاركنى بخبرته بهندسة الإلكترونيات و هكذا أحيا بداخلى الأمل من جديد و بدأنا العمل من جديد لنحصل على تصميم جديد و فشل جديد!!!
يدخل علىّ بخطوات متثاقلة و أسى محفور على وجهه...المشكلة أنك دوماً تعتقد أنك مختلف عن الآخرين..أن مشروعك سيتخطى ما فشل فيه غيرك و فجأة تكون الصدمة
- كيف حالك يا بطل؟؟
أقولها محاولاً أن أرفع معنوياته ، فينظر لى نظرة غريبة و يقول:
- هل تعرف لمَ فشلت جميع محاولاتنا فى الحصول على الموافقة؟؟
أنظر له بتساؤل فيجيبنى بإندفاع:
- لأننا بالفعل نملك هذه الروبوتات منذ ما يفوق الخمسين سنة
أقفز من مقعدى من شدة الدهشة و أسأله مستنكراً:
- كيف حدث هذا؟؟
ينتابه الهدوء فجأة كما انفعل فجأة و يقول لى:
- استدع (منصور) و سأخبرك
أقول فى انفعال:
- كفاك عبثاً يا (شكرى)...ما دخل هذا الـ(منصور) بالروبوتات؟؟
يظل محافظاً على بروده المزعج و يقول:
- فقط استدعه
لولا الفضول الذى يقتلنى لقمت بطرده على الفور لذا أذعنت لطلبه و ناديت (منصور)
- أوامر معاليك يا فندم
كانت هذه من (منصور) يتملقنى بها فلا أجيب و أتطلع إلى (شكرى) أطالبه أن ينطق فإذا به يسأله:
- أخبرنى يا (منصور)....لمَ لا يمكن لمشروع يوافق عليه رئيس لأحد الأقسام أن يكتفى بموافقة هذا الرئيس؟؟؟
ما هذا السؤال ؟؟؟ و ما علاقته بالروبوت؟؟ هل فقد (شكرى) عقله؟؟....أما (منصور) فقد انطلق فى الاجابة
- وفقاً للبند الثالث من القانون رقم 113عام 1966 و الإضافة الثانية بقرار وزارى من القانون 178عام 1987اللتين تنص على أنه لا يمكن لأى مشروع أن يتم بدون موافقة جماعية من مدراء الأقسام بعد معاينة قرار من لجنة مختصة و يستثنى من ذلك المشروعات المعتمدة من الوزير أو بأوامر من جهات عليا
فيردد (شكرى) بصوت مرتفع:
- و يحمل الروبوت مجموعة ضخمة من الإجابات لآلاف من الأوامر يجيبها دون أى شعور بالتناقض بين الإجابات....الصفحة 56 من البحث
ثم ينظر لــ(منصور) مرة آخرى و يسأله:
- لمَ الحاجة إلى موافقة جميع رؤساء الأقسام لتنفيذ مشروع مميز؟؟
تجمد (منصور) فى مكانه يفكرطويلاً فى إجابة السؤال التى لا تختلف أبداً عن إجابة الأول فينطلق (شكرى) و يقول بذات النبرة المرتفعة:
- المشكلة التى واجهتنا فى التصميمات الأولية هى عجز الروبوت عن تقبل الطرق المختلفة لعرض ذات السؤال حيث لا يملك الإجابة إلا عند إلقاء السؤال بشكل معين و هذا ما سنحاول تلافيه فى النماذج المقبلة.......الصفحة 132 من البحث
ثم ينظر لى و هو يشير بيديه نحو (منصور):
- أرأيت؟؟؟ ...بلا مرونة..بلا تفكير..هو فقط يتحرك وفق مجموعة الأوامر التى يحملها
أهمس و قد بدأت أفهم ما يعنى فأقول بتوجس:
- وفق كلامك هذا فإن ما نحن بحاجة إلى صنعه هو.......
- بشر حقيقين
يكملها ( شكرى) بذات اللهجة الحزينة التى يحملها منذ بداية حديثه ثم يهز رأسه بأسف و يقول و هو يخرج ورقة من جيبه فيرميها على سطح مكتبى:
- للأسف تلك هى الحقيقة
أفرد الورقة المطوية فأتعجب مما فيها و أنادى (شكرى) الذى انطلق نحو الباب:
- هذا طلب أجازة!!!
لم يجيبنى وواصل مسيره نحو الباب فأعود و أسأله:
- و ماذا ستفعل طوال هذه المدة؟؟
يجيبنى بتحسر قبل أن يصفق الباب خلفه:
- سأجلس منتظراً تمرد الروبوتات