مسابقة الشهر العاشر - 2009
مجال المقال
المركز الثانى
(نهى العربى)
عن مقال
(هذه الثورة كما نراها و لا نعرفها)
***
مجال المقال
المركز الثانى
(نهى العربى)
عن مقال
(هذه الثورة كما نراها و لا نعرفها)
***
نحن أبناء الثمانينات، ولدنا بعد ما اختفت الثورة و جاء الانفتاح الاقتصادي، جئنا بعد ما اختلفت الموازين و اضطربت، و تبدلت المعان، أتدري ماذا نعرف عن الثورة؟؟؟
بضع سطور قليلة لا توضح شيئا مما حدث، هكذا هي كتب التاريخ و دروسها المدرسية كما أرادت وزارة التربية و التعليم، أو كما أردات أن نفهم، المبادئ الستة التي حفظناها عن ظهر قلب، عبد الناصر رمز الحلم و الأمل و (أول) رئيس جمهورية حقيقي.... القائد و الزعيم و محررنا من سيطرة الأجانب و الأقطاع...
إعلاميا الأفلام و المسلسلات التي أرادت تسجيل أحداث الثورة، توضح قمة التناقض، لا تحمل بطيها مشاهدة منصفة لما حدث، فهي إما تغرقك في دنيا الاحلام و المدينة الفاضلة، فلا شئ سوي بطولة من قاموا بها، هؤلاء من تنزهوا عن أي نزعات بشرية تجعلك تشكك أحيانا في آدميتهم بتصرفاتهم النورانية، كفيلم ناصر56، و غيره، شئ يدعو للتعجب الانساني الطبيعي و المحتم...
و ما بين وجه قاس و مخيف يهدم المبادئ التي نادت بها الثورة من الأساس، كأفلام "احنا بتوع الاتوبيس" و "الكرنك"، فهي خطوة قام بها بضع ضباط الجيش لاصلاح اوضاعهم، فاوقعتهم الصدفة في ما تلي ذلك، و أوقعهم الكذب في التصديق، أن ما حدث هو من صنعهم، فتنامت أحلام السلطة و ظهرت الطبيعة البشرية الاستبدادية...
و من خلال كتب الدراسة و سيطرة الاعلام علي عقولنا، فان كل ما نعرفه عن الثورة، ستة مبادئ و فيلم أو أكثر مصاحب بموسيقي تصويرية رائعة و مؤثرة تواكب أهمية الحدث، إلا أن بعضنا لم يكتفي بذلك، و صار جيلنا يواجه في كل يوم آلاف الأسئلة التي تشكك و تتعرض لما حسبناه مسلما به، لتساورنا الشكوك حول حقيقة ما نعرف بالفعل...
و لتقرأ، لتقرأ لتبحث عن الحقيقة، لتكذب كل من يشكك في حريتنا التي اقتنصناها، لتقرأ لتجد أمامك آلاف الأسئلة غير المجابة، أسئلة قوامها خمسة و ستين عاما، أسئلة تجعلك تشكك في مبادئ الثورة ذاتها، حين تكفر بالاشخاص فتبدأ بالنظر للمبادئ، نظرة شك..
هل جمال عبد الناصر رمز الحلم و الحرية، هو ذاته الشخص الي امتلأت السجون في عصره بالمعتقلات و التعذيب، هل هؤلاء الضباط قاموا بتصحيح أوضاعهم و لم يكونوا يفكروا في شعب مصر الذي صاروا يتغنون به لاحقا؟، هل تنكروا لمحمد نجيب، و طمعوا في السلطة، لتتعري المبادئ اليوتوبية من ثوبها الابيض في أول مواجهة حقيقية لتنبئك بما سيحدث لاحقا..
وسط تلك التساؤلات تتنامي الحيرة، و نجد أنفسنا جيلا مفرغ من داخله، بلا تاريخ، بلا ماضي، بلا مستقبل...
و كأن ذاكرة شعبنا لا تتحمل أكثر من تاريخ شخص واحد فقط، فعند موته تموت مع الحقيقة، و تبرز المذكرات و التراهات محاولة لازالة القناع، فلا نحصل سوي علي مزيد من البلبلة، و لا يحصل أصحابها سوي علي مزيد من الشهرة الزائفة...
صدق إذن فاروق جويدة حين قال إن تاريخنا هو تاريخ أشخاص لا وطن، فيسهل فيه التحريف و التزوير و التأويل، و تساءل في كتابه "من يكتب تاريخ ثورة يوليو"، تساءل في فزع لضياع تاريخ هذا البلد ليتحول إلي بعض الذكريات المتناثرة في عقل هذا و ذاك تنتهي بانتهاء حياته، و يتبخر معها الحلم و الامل...
و يستمر البحث نحو الحقيقة فيما كتبه الاخرون، فتجد أن أنيس منصور في كتابه "عبد الناصر المفتري عليه و المفتري علينا"، يكاد يخرج من بين صفحاته ليقسم لك أنه يكره ناصر و سياسته الحمقاء التي جعلت كل من عاصر تلك الفترة، يحيا متلفتا في إنتظار زوار الفجر، و لم لا فقد تسبب في رفده و حبسه و انقطاعه عن الكتابة لفترة..
أما مذكرات خالد محيي الدين،"الآن أتكلم"، و التي تشعرك أنه يمتلك مفتاحا سحريا لحجرة الأسرار، لا تعدو كونها محاولة لتبرير الأخطاء و تبرئة نفسه شخصيا من أي شائعة أو اتهام قد يلحق بالضباط الاحرار..
و أثناء رحلتك لفهم التاريخ، لتحصن نفسك بحضارة تفخر بها، ليست حضارة الفراعنة، تجد الكثير من اللغط، و الاراء المتضاربة، يزيد من ذلك اختفاء الوثائق الرسمية و التي كانت كفيلة باخراس الألسنة و ايضاح الحقيقة كاملة...
و لا اخفي عليك سرا، فقد كرهت الثورة و رأيتها وهما، و كرهت كذبنا و تأليه كل من يحكمنا، أو يجعلنا نحصل علي أحد حقوقنا السوية، كرهت كذب و تعذيب أفضت اليه الثورة أو مهدت له الطريق..
ربما أصدق ما قرأت و صادف هوا في نفسي، هو تحليل الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، في كتابه "البحث عن ثورة"، استطاع بأسلوبه السلس و الرائع أن ينقد و بهدوء و روية ما حدث، و لماذا لم تتحقق الأهداف الست، الأخطاء التي حدثت و تكررت الآن، تري لماذا لا يدرس مثل هذا الكتاب في مدارسنا؟؟
لماذا نصر اصرارا شديدا أن نجعل من تاريخنا محض أحداث جافة لا تثير اهتمام أحد، غامض و مبهم ليجعلك ضعيف الثقافة تجاه ما قد تواجهه من تيارات سياسية أو ثقافية معادية؟؟
كم أتمني أن يحقق حلم فاروق جويدة بكتابة التاريخ، مرة أخري، بوضوح شديد، لنتعلم مما حدث، و نحصن أبناءنا من أي تيارات غربية مضللة، لنجعلهم يحتمون بمعرفتهم ضد أي شئ، لنجعلهم ينتمون مرة أخري لهذا البلد...
كفي شبابا دون تاريخ، دون مثل أعلي، دون وطن.