تسلق التلَ الترابيَ بصعوبةٍ محاولا اختلاس بعضَ النظراتِ لما وراء التل ... فتكور بجسده الضئيل كي لا يلمحه أحدٌ من الجنود المنتشرين كالجراد مدججين بأسلحتهم التي تهيأت لنفث لهيبها في أية لحظة ... كان يحاولُ أن يصلَ بنظره إلي أطلالِ القريةِ القريبة ، حيث كان بيتُه القديم ... حاول أن يمط عنقه ليلقي ولو نظرة إلي البيت المتهدم الذي أضحي بين عشيةٍ وضحاها قبرا لعائلته .. ليصبح هو يتيما ، لاجئا ، ضائعا في فضاء العالم الرحب الذي لم يعدْ يتسعُ لأمثاله ... فلا أبَ ولا أمَ ولا إخوة .. لا بيت ولا مأوي سوي خيمةٍ باليةٍ واهنةٍ كجسده الذي اعتراه الهُزالُ من قلة الماء والزاد ... لكنه لازال يوقنُ أن له وطنا ... سليبا ، مغتصبا، لكنه كما كان وطنا لأجداده، .. سيظل وطنا له ولأحفاده رغم أنف اللصوص ... تطلع بعين غائرة إلي حطام دنياه التي لم تكد تبدأ حتي قضي عليها هؤلاء المحتلون ... أين عائلته ؟!... أين بيته ؟! ...أين مدرسته؟! ... تذكر الفناء و لهوه مع الرفاق ... وحصة الموسيقي حيث كان الجميع يشدو مع مس لمياء بأغاني الوطن التي حفظوها ظهرا عن قلب وتوارثوها أبا عن جد ... أين كُتّاب الشيخ مجاهد؟! .. حيث حفظ ثلثي القرآن وهو لم يبلغ عامه الثامن بعد .. وعده أبوه بهدية لو أتم حفظ القرآن ... سيتمه ... سيتمه إن شاء الله، ويقدم حفظه هدية ً لروح أبيه وأمه ... رنا ببصره إلي مأذنة المسجد المحطمة ... حاولو اللوذ به بعد أن هدموا المنازل والمدارس والمشفي ... لكنه لم يسلم من بطشهم ... حتي بيتَ الله يا أنذال؟! ...خراب يخيم علي أطلال القرية ... كلاب ضالة تنبش الأنقاض ... و جند مسلحون يستأسدون علي من بقي من الضعفاء ... و أصوات غربان تنعق بنداء الموت ... و رائحة خانقة تجثم علي الأنفاس .. لازال متكورا في جلسته خلف التل وقد اعترته رجفة عنيفة مباغتة ... وغلبه حزن ليس بمقدوره كبح جماحه ... فأجهش ببكاء صامت .. حرص عليه كي لا يفطن لوجوده من يحومون خلف الأنقاض ... تمني لو ألقي نفسه في حضن أمه ،حتي ولو كانت جسدا مسجي .. حتما كان سيجد شيئا من الدفء ... تمني لو ضمه أبوه بساعده القوي كما كان يفعل دوما ، حتما كان سيشعر بالأمان ... تمني لو سمع صوت الشيخ مجاهد خاشعا يتلو آيات القرآن ... حتما كان سيطمئن قلبه ... نظر بعين دامعة إلي السماء .. ردد نداءا خفيا .. صامتا.. لم تنبس به شفتاه ، لكن علمه سميعًُ خبير .. اتخذت الشمس موضعها في كبد السماء متعامدة علي الأرض البائسة ... وتواري الظل تحت الأجساد معلنا أوان صلاة الظهر ... كفكف دمعه في وهن ثم استدار زامعا العودة إلي المخيم حيث من نجي من عجائز القرية وصغارها ... لكنه ما إن تهيأ للرحيل حتي خيل إليه أنه سمع صوتا !! ... نعم .. إنه صوت الشيخ مجاهد شجيا يرتفع بالآذان ... التفت منتفضا دون وعي ... إنه الشيخ المسن ... لازال حيا يرزق وهاهو ذا يحاول أن يصدح بالآذان ... لازال حيا ... سيتم القرآن علي يديه ... الله أكبر ... الله اكبر ... علا صوت الشيخ واهنا دون مكبرات صوت لكن شجيا يخلب الألباب ... الله أكبر ... الله أكبر ....التفت الجنود تجاه الصوت ... يبحثون يمينا ويسارا ... إنهم لا يرون الشيخ ... فأغشيناهم فهم لا يبصرون ... اشهد ألا لا إله إلا الله ... جن جنونهم ... لا يرون له أثرا لكنهم متيقنين من الآذان ... أشهد ألآ إله إلا الله ... بدأوا في التحرك في توتر وارتباك وتحفز بل كاد يسمع لهم زوما كالكلاب تبحث عن ضالتها ... أشهد أن محمدا رسول الله ... هرولو الخطي نحو أطلاال المسجد ... صوت واهن لكن يبلغ صداه عنان السماء ... و كأن الملائكة تردد صداه في الأجواء ... أشهد أن محمدا رسول الله ... أطلت الوجوه من المخيمات و قد تسلل الصوت إلي قلوبهم قبل الأسماع خرجوا حابسين الأنفاس ، متجهين في أمل صوب المسجد ... حي علي الصلاة ... وصل الجنود إلي الأنقاض ... وقف الشيخ في ثبات ... رفع يده إلي أذنيه كدأبه حين يذوب خشية مع نداء الرحمن ... حي علي الصلاة ... فجأة انطلق سيل من الرصاص من أكثر من فوهة متوهجة صوب جسد واحد ضعيف ... كان منذ وهلة يعلو بنداء لا تضاهيه قوة ولا يبلغه بأس ... وصمت كل شيء ... صمت صوت الشيخ إلي الأبد ... الآن تيقن من موته ... وكأن الكون توقف في لحظة ... تسمرت الأقدام في مكانها وجفت الحلوق ... ووهنت الهمم ... شعر أن السكون أطبق علي ما بقي من فلول حياة ... طارت الغربان تبحث عن طعام لازال مثخنا بجراحه وانتفضت البلابل ذعرا ... وتقلصت الملامح التي تصبغ الوجوه ... وعاد الجنود يجرون خلفهم جثة شيخ جليل كان يصدح منذ وهلة بالآذان ... قام الولد منتفضا كمارد جبار ... اعتلي التل الترابي بثبات وقوة حتي وصل إلي أعلي موطيء في قمته .. استقبل القبلة ورنا ببصره إلي السماء ... ورفع يديه علي أذنيه .. تماما كما كان يفعل شيخه ... وأطلق العنان لصوته ليكمل ما بدأه شيخه ومعلمه ... حي علي الفلاح ... التفت إليه الجنود وقد أذهلتهم المفاجأة ... وعادت عيون القوم تلمع في أمل ... حي علي الفلاح ... تردد الآذان الي أبعد مدي ... الله أكبر ... سمع تكات متتابعة ... الله أكبر ... و انطلق شلال من الرصاص يغمر الجسد الضئيل الذي أبي أن يتهاوي من فوق التل حتي يحشرج بصوت واهن ... لا
قرأن عدة مرات قصتك المذهلة ومضيت بين سطورها المتلاحقة أتابع الفتى فوق التل مختبئ يتملكنى عليه الهلع حيناً ثم أخرج من الخوف عليه لبطل أخر هو الشيخ الجليل يرفع صوت الأذان فى بقايا مسجد دكه الطغاة ولم ترحم رصاصاتهم جسده الضعيف وحين يخمد الأمل فى الحرية يحذو الفتى حذوه ويلقى نفس المصير
أن للحرية شهدائها
أحييك و أهنيك بالفوز.... إنه حقا فوز مستحق
القصة رائعة
تصوير مميز للحرية المنتحدية للقهر و الدمار .. حرية الموقف و إتخاذ القرار... حرية الروح
إلي الأمام دائما
تحياتيflower1
ومـا مــِن كاتبٍ إلا سيبلى ....... ويُبقي الدهر مــا كتبت يـداهُ
فلا تكتُب بخطِك غير شيءٍ ....... يسُــرك في القيامةٍ أن تـراهُ
قرأن عدة مرات قصتك المذهلة ومضيت بين سطورها المتلاحقة أتابع الفتى فوق التل مختبئ يتملكنى عليه الهلع حيناً ثم أخرج من الخوف عليه لبطل أخر هو الشيخ الجليل يرفع صوت الأذان فى بقايا مسجد دكه الطغاة ولم ترحم رصاصاتهم جسده الضعيف وحين يخمد الأمل فى الحرية يحذو الفتى حذوه ويلقى نفس المصير
أن للحرية شهدائها
أسعدتنى بنصك هذا والى الامام دائماًflower1
الزميلة العزيزة روان ... كل عام وانت بخير وسعادة ... انا الذي سعدت بمرورك وكلماتك المشجعة ... دوما حينما أتناول هذه القضية والتي أعدها قضيتنا الأولي والأهم .. قضية أوطاننا المحتلة ... بالأمس كنا نتحدث عن فلسطين والجولان وقبلها كانت سيناء ... واليوم أضيفت العراق ..مسلسل من القهر و النهب لاينتهي ونتمني أن ينتهي لينال هؤلاء المشردون حقهم في الحياة بكل معانيها ... عفوا أسهبت في الحديث .. كنت أقول دوما أجدني أشير الي بارقة أمل ... فهناك دوما بصيص من نور يطل علي استحياء كي يبث روح الأمل و الصمود ..أشكرك علي مرورك .. وعلي رأيك الهام.
السيد فهيم
donnabella كتب:أحييك و أهنيك بالفوز.... إنه حقا فوز مستحق
القصة رائعة
تصوير مميز للحرية المنتحدية للقهر و الدمار .. حرية الموقف و إتخاذ القرار... حرية الروح
إلي الأمام دائما
تحياتيflower1
الزميلة العزيزة نورا ... مرورك هو الرائع ... وإعجابكم بالقصة يضيف الي فوزها فوزا آخر .. لا يقل أهمية ... بل منحني المزيد من السعادة .. أشكرك علي كلماتك المشجعة وعلي مرورك الكريم.
السيد فهيم
زميلي العزيز السيد فهيم ، بورك قلمك و ما يخطه من معاني و أحاسيس و أهداف نبيلة و غالية
لا يفوتني أن أهنئك بالمركز الثاني الذي نلته بجدارة و هذا ليس بغريب على كاتب مميز و متمكن مثلك و قد كانت قصتك التي تحدث يوميا في أرضنا الغالية و قد نكون ألفنهاها ، لكنك تناولتها بأسلوب جذاب فدفعتني للانتقال من شطر للآخر أتأمل دقة وصفك و روعة كلماتك و جمال لغتك و ثرائها ، فقد أضفيت على هاته الفكرة الشائعة طابعا خاصا ، و خاصة وصفك المدهش لذلك المشهد البطولي ومع مصاحبة الآذان الذي يعلن كلمة الحق ، فلا حياة تحت ركام قيود الذل ، بل حرية و لو كان ثمنها موت و رحيل عن الحياة .
الحقيقة أنه عمل رائع متكامل الأركان و يستحق بجدارة أن يكون من الاعمال الفائزة
أتمنى لك دوام التألق و التميز .
آخر تعديل بواسطة الزهراء في 29 أغسطس 2009, 5:35 pm، تم التعديل مرة واحدة.
Ghadat2009 كتب:ياالله! يا لروعة قصتك المؤثرة التي أدمعت عيناي و هي تلاحق كلماتها الثرية البليغة المعبر المؤثرة فعلا !
ألف مبروك لفوزك ... أبدعت بحق في تصوير المشهد حتى كدت أراه و أحسست بأنفاس الطفل صاحب الروح الحرة و الشجاعة المبهرة !
تفوقت على نفسك يا زميلي العزيز ..قصتك بالفعل ..أكثر من رائعة ... و تعطي معى عظيما للحرية ...و اللايأس تحت أي ظرف
أحيي فيك تلك الفكرة الرائعة : حرية الروح المتوكلة على الله ..التي لا تخاف الموت أو الشهادة في سبيل الله
كما أن هذا النوع من الإحساس بالحرية لا يرتبط بسنّ ..إنما ينبع من داخلنا مهما كانت الظروف
تحياتي لك أخي المبدع دائما ... و لإلى المزيد من التألق و العمق و الثراء اللغوي و الأسلوب الممتع
و كل عام و انت بخير ...رمضان كريم
الزميلة المبدعة غادة ... كل عام وانت بخير وصحة وسعادة ... أشكرك علي كلماتك الغالية ونقدك البناء ... فقد حلقت بروحك في سماء قصتي و لمست الي حد كبير ما دفعني لكتابتها .. اشكرك علي مرورك الرائع وشهادتك التي أعتز بها.
السيد فهيم
الزهراء كتب:زميلي العزيز السيد فهيم ، بورك قلمك و ما يخطه من معاني و أحاسيس و أهداف نبيلة و غالية
لا يفوتني أن أهنئك بالمركز الأول الذي نلته بجدارة و هذا ليس بغريب على كاتب مميز و متمكن مثلك و قد كانت قصتك التي تحدث يوميا في أرضنا الغالية و قد نكون ألفنهاها ، لكنك تناولتها بأسلوب جذاب فدفعتني للانتقال من شطر للآخر أتأمل دقة وصفك و روعة كلماتك و جمال لغتك و ثرائها ، فقد أضفيت على هاته الفكرة الشائعة طابعا خاصا ، و خاصة وصفك المدهش لذلك المشهد البطولي ومع مصاحبة الآذان الذي يعلن كلمة الحق ، فلا حياة تحت ركام قيود الذل ، بل حرية و لو كان ثمنها موت و رحيل عن الحياة .
الحقيقة أنه عمل رائع متكامل الأركان و يستحق بجدارة أن يكون من الاعمال الفائزة
أتمنى لك دوام التألق و التميز .
الزميلة العزيزة سلمي ... اشكرك علي مرورك الجميل ... و أحييكي علي مجهودك الملموس في الأكاديمية وعلي ردودك الفعالة والثرية دوما بالنقد البناء ... علي فكرة انا فزت بالمركز الثاني ، أما المركز الأول فكان من نصيب الزميلة ايناس حليم ... التي نالته عن جدارة .. فهنيئا لها ولك بالفوز والي الأمام دوما ... لامتاعنا بأطروحاتك المميزة.
السيد فهيم
السيد فهيم كتب:[quote="الزميلة العزيزة سلمي ... اشكرك علي مرورك الجميل ... و أحييكي علي مجهودك الملموس في الأكاديمية وعلي ردودك الفعالة والثرية دوما بالنقد البناء ... علي فكرة انا فزت بالمركز الثاني ، أما المركز الأول فكان من نصيب الزميلة ايناس حليم ... التي نالته عن جدارة .. فهنيئا لها ولك بالفوز والي الأمام دوما ... لامتاعنا بأطروحاتك المميزة.
السيد فهيم
مساء الخير زميلي السيد فهيم
طبعا عارفة انك فزت بالمركز الثاني و زميلتنا ايناس بالمركز الأول
إنما هذا كان خطأ مني و لابأس قد تكون المرة القادمة بإذن الله المركز الأول و ساعتها سيكون أيضا بجدارة
تمنياتي ليك بالتوفيق و كما نقول في الجزائر صح فطورك