ظلمة النور أم نور الظلمة؟!

المشرفون: Ghadat2009،نبضة...

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
البراء بن مالك
أكاديمى جديد
أكاديمى جديد
مشاركات: 8
اشترك في: 14 يونيو 2009, 9:54 am
Favorite Quote: إن بعض القول فن .. فاجعل الإصغاء فناً
مكان: القاهرة

ظلمة النور أم نور الظلمة؟!

مشاركة بواسطة البراء بن مالك »

شكراً مقدماً .... في انتظار تعليقاتكم الناقدة


ظلمة النور أم نور الظلمة؟!
استقيظت من سباتها العميق على صوت ينادي " قمر ... استيقظي ستتأخرين عن العمل"

صمتت قمر هنيهة ثم أجابتها وهي مستلقية على ظهرها في سريرها الخشبي الصغير " ألم أقل لكم لا تدعونني بهذا الاسم مرة أخرى ... لا أريد أن أكون قمراً ... أريد أن أكون شمساً مشرقة قوية ... وليس قمراً يستمد نوره من الشمس ... لماذا أكون قمراً في حين أنه يمكنني أن أصبح شمساً؟! "

تترجم هذه الكلمات القليلة شخصية قمر بدقة بالغة ...

فهي فتاه لها روح طموحة يملؤها تطلع عميق كبئر لا قرار له ...

كلما حققت شيئاً تطلعت نفسها الطموحة لما هو أعلى ... ولكنه لم يكن طموحاً محموداً بل كان طموحاً ممزوجاً بعدم الرضا ...

فلم يرضها كل ما حققت في حياتها بالرغم من أنها فتاه على قدر كبير من الجمال الآخاذ الذي تلحظه كل العيون و ناجحة في عملها ومحبوبة من الجميع ...

فهي تحيا حياة هادئة في بيت يملؤه الحب والود والاحترام بين أبوين متحابين ومحبين وأخت هي توأمتها وأقرب صديقة لقلبها الرقيق ...

وكانت قد تمت خطبتها مؤخراً لشاب ذي أخلاق راقية وناجح في عمله , يحمل قلبه لها حباً أعمق وأغزر من أن تصفه الكلمات أو تخطه الأقلام ..

لقد بدت قمر وكأنما قد حيزت لها الدنيا بحذافيرها ...

إلا أن كل ذلك لم يكن يكفيها لتتذوق جمال الحياة من حولها ...

طالما شعرت أن هناك شيئاً ما ينقصها...

شعوراً لم يفارقها أبداً ...

لم تكن تعرف ما هو الشيء الذي ينقصها بالظبط ...

لم تتذوق طعم السعادة أو الرضا في حياتها ...

وأضناها البحث عن ذلك السر الغامض الذي يستطيع به المرء أن يكسو دنياه حلة السعادة المبهجة...

فكانت تنطلق كل يوم في رحلتها المعتادة تقلب عيناها في صفحات دنياها باحثةً عن معنىً لحياتها ... علها تعرف ما هو الشيء الذي ينقصها لتُضفي على حياتها معنىً ومغزىً.

اندفعت قمر بسيارتها مسرعة لتلحق بعملها في الشركة الكبيرة و التي عملت فيها منذ أن تخرجت بتفوق من كليتها منذ عامين وحققت فيها من التقدم الوظيفي مالم يحققه العاملون بها منذ عقود ...

فقمر مجدة ومتفانية في عملها وكأنها في سباق محموم ...

و طبعاً قمر لا ترضى أن يسبقها أحد ...

انخرطت قمر في تفكير عميق في إحدى محاولاتها المستميتة لإيجاد الحل لمعضلة حياتها التي تبدو لها مستعصية على الحل...

لماذا لا أشعر بالرضا والسعادة؟

أنا فتاه جميلة ومتفوقة وناجحة في عملي ولدي كل ما تتمناه أي فتاه ...

ولكن ...

ينقصني شيء ما ...

لا أعرف ما هو بالضبط ....

لقد سئمت أن تُغلف التعاسة حياتي في حين ينتظر مني الجميع أن تشع حياتي سعادة وبهجة ...

لقد سئمت البحث ...

أريد الفوز بالسعادة ...

ذلك الكنز الثمين الذي ينطلق الجميع بحثاً عنه ...

أريد أن ينبض قلبي سعادة وبهجة ...

أريد أن أجد لحياتي التي يغبطني عليها الجميع معنىً ومغزىً....

خيم الصمت على الكون للحظات وبدا الكون وكأنه قد توقف عن الدوران من حولها ...

ثم تهللت أسراريها وارتسمت على وجهها البريء نظرة تنم عن فرحة غامرة تشبه فرحة صياد الآلآلي الصبور عندما يفوز بها بعدما أضناه البحث والإنتظار ...

وجدتها ...

عرفت ما ينقصني في الحياة ....

لم تصدق قمر أنها قد تمكنت من حل معضلة حياتها المستعصية ...

نعم ... إن ما ينقصني في حياتي هو الشغف ...

فأنا لا أملك الشغف في حياتي ...


لابد أن أجد الشغف في الحياة وحينها أكسو حياتي حلة السعادة المبهرة .....

ثم علت صرخات قمر لتتطغى على صوت الاصطدام الرهيب ...

لقد صدمت شاحنة كبيرة سيارتها الحمراء الصغيرة لتطيح بها وباكتشافها الغض أدراج الرياح ....

أفاقت قمر لتجد نفسها مستلقية على سرير صغير في مشفي يُثقل كاهلها الألم والإرهاق...

نظرت قمر عن يمينها ويسارها ...

تتتبع الأصوات التي تقترب أكثر وأكثر منها لترى وجهوهم الحنونة ...

أبيها وأمها وأختها الصدوقة وخطيبها المحب ... أصوات أحبائها الغالين ....

كانت تتوق نفسها لإخبارهم بأنها قد وجدت الحل لمعضلتها وعرفت أين تجد السعادة ..

لقد وجدت ما ينقصها في حياتها ...

ولكن ....

انسدلت دمعات حزينة على خدودها الشاحبة وتبعتها دموع الحاضرين في الغرفة ...

ساد الصمت للحظة ...

ثم علت كلمات ملؤها الشجن على استحياء " أنا لا أرى شيئاً" ...

والكل من حولها يقلب في صفحات قواميسه لانتقاء أرق الكلمات علها تبعث في نفسها المجروحة الصبر والتحمل...

" أهم شيء أنك بخير ... حياتك أهم بكثير يا قمر" ...

وهنا علا صوت قمر الشجي قائلة :" أنتم لا تفهمون شيئاً ... لقد وجدت قبيل الحادث بدقائق معدودة ما ينقصني في الحياة ... لقد حللت معضلة حياتي وعرفت سر السعادة ... لقد وجدت معنىً لحياتي.... لقد وجدت ذلك الكنز الذي أضناني البحث عنه ... ولكن لم يعد لكل ذلك أي قيمة بعد الآن... ربما أكون قد عرفت كيف أجد لحياتي معنىً ولكني اليوم ... فقدت حياتي"

لم تسمع قمر أياً ما قيل بعد ذلك فقد سبحت في عالم آخر ... تاركة كل من حولها في محاولاتهم الدءؤبة لتصبيرها ...

وأخذت حياتها أو ما تبقي منها منعطفاً آخر ...

تعافى جسدها وبقي قلبها عليل ...

غادرت المشفى وعادت إلى منزلها بغير الحال الذي تركته ...

فقد تحول حالها وتبدلت أحوالها ...

وكل يوم كانت تبتعد عمن حولها أكثر فأكثر وتنغلق على نفسها أكثر وأكثر وتضيق عليها أرضها بما رحبت حتى ضاقت عليها نفسها التي بين جنباتها ...

قل كلامها وطالت أوقات خلوتها ...

وفي إحدى الأيام ووسط جلسة أسرية ملأها الحب مدت قمر يدها لتقطع الحديث الأسري الحنون والذي لم تسمع منه سوى كلمات قلائل وأمسكت بيد خطيبها وسط دهشة الحضور ووضعت فيها خاتم الزواج ....

اندهش الجميع ...

وتعالت التساؤلات ...

لماذا يا قمر ؟

تركتهم وهرعت إلى غرفتها التي أضحت صديقتها الصدوقة التي لا تفارقها لتحتمي بجدرانها العالية ...

ومرت الأيام وفي كل يوم يتسع الخندق الذي تبنيه قمر من حولها لتعزل نفسها عن الكون بأسره ...

وفي إحدى الأيام وبعد محاولات مضنية تمكنت الأم من إقناع قمر بعبور أسوار غرفتها العالية و الذهاب لزيارة صديقتها نور ...

ذهبت قمر لزيارة نور في الأستوديو الخاص بها فهي ستفتتح معرضها الفني في غضون أسبوع ...

وبعيد وصولها علا صوت رنين الهاتف وذهبت نور لإجابته تاركة قمر وسط اللوحات الرائعة ...

ولم تشعر قمر إلا بيديها تلتقط الفرشاة وترسم خطوطاً وألوان ...

ظنت أن لا معنى لها على لوحة بيضاء ...

ثم فؤجت قمر بومضات من نور تنبعث أمامها ومع كل ومضة كانت ترى شيئاً...

ترى أشجاراً خضراء ...

وأزهار وورود ...

وأنهاراً متدفقة ...

وسماءاً صافية ...

ثم تسارعت يديها وأخذت ترسم ما تراه عيناها...
أو ما لا تراه ...


وعادت نور لترى قمر وقد خطت بيدها لوحة رائعة الجمال ...

تسمرت نور في مكانها ولم تصدق عيناها ما رأت ...

هل هذا معقول؟!

كيف رسمت قمر هذا الجمال بأعين يغلفها الظلام؟! ...

كيف؟!
[/RIGHT ALIGN]
سؤال بدا بلا إجابة ...

تناست نور للحظة إستحالة ما حدث ونظرت إلى قمر لترى على وجهها البريء ابتسامة أضاءت لها الحياة بأسرها ...

قالت لها نور:" قمر ... أنتِ فنانة موهوبة ... إنها لوحة لا أجد من الكلمات ما يصف جمالها وروعتها" ...

انفرجت أسارير قمر فرحاً وغمرها ذلك الإحساس السحري ...

الإحساس بالنجاح المتوج بفرحة الاكتشاف ...

وقتها أيقنت أنها قد وجدت شغفها في الحياة ...

وقضت قمر هذا الأسبوع مع نور ترسم وترسم وترسم بسعادة لم تعرف لقلبها طريق من قبل ...

وحان يوم إفتتاح المعرض ...

وفاجأت نور صديقتها قمر بعرض بعضاً من لوحاتها في معرضها ...


ووقفت قمر تزين شفاهها الرقيقة بسمة صادقة نابعة من أعماق قلبها الذي غمرته السعادة تحيطها فرحة أحبائها من كل مكان ...

وسألتها أختها الحبيبة "أمازلت ترغبين أن تصبحين شمساً يا قمر؟!"

فأجابتها بعيون فَرِحة تشع رضاً:" لا ... أنا قمر ... ربما تفوق الشمس القمر قوةً وربما يستمد القمر نوره من الشمس ولكني أرى القمر فناناً بارعاً يعرف كيف يطوع مالديه من جمال ليلقي بظلاله الحانية على صفحة الكون مضفياً عليها جمالاً ذو طابع و متميز ليحمل نوره جمالاً ذا طعم خاص"


" مبروك يا قمر ... أنا فخور بك وبنجاحك" ...

كلمات طرقت مسامع قمر لتعيد إليها ذكريات محببة لم تغب عن مخليتها قط ...

صوت يميزه قلبها قبل أذنيها ..

صوت طالما حملت نبراته من الحب ما لم تحمله نبرات أي شخص آخر في كونها الفسيح ....

تقدم الصفوف ممسكاً بباقة جميلة من الورد الأحمر يفيض حباً وشوقاً ...

تبسمت قمر وشكرته ....

وانسدل ظلام الليل على الكون في هذه الليلة ولكن ليس على قلب قمر الرقيق ولا على عيونها الساحرة ...

وبعيد أيام قلائل علت أصوات الأفراح في منزل أسرتها الصغير ....

وفاضت السعادة والحب على صفحات دنياها ...

وبدت قمر كالقمر في فستان عرسها تقف بجانب خطيبها المحب والذي لم يتوقف قلبه عن حبها ولو للحظة واحدة ...

وقفت قمر في أحضان سعادة أحبائها ترقص الفرحة في عيناها قائلة :" أنا آسفة ...

آسفة لأنني لم أقدر ما كان لدي من قبل ...

آسفة لأنني استغرقت كل هذا الوقت والجهد كي أعرف معنى الحياة ...

وأعرف كيف أصبغ حياتي شغفاً وسعادة....

آسفة لأنني تركت طموحي المتهور يعميني عن رؤية جمال الحياة والتلذذ به ...

آسفة لأنني ظننت أن الأبصار هي التي يُطفيء نورها العمى...

آسفة لأنني أبعدت كل من يحبني في وقت كنت في أمس الحاجة إلي أن أحتمي بأحضانهم الدافئة من برد الوحدة والألم والغضب والخسارة ...

آسفة لأنني سببت لهم كل هذا الألم والحزن ...

آسفة على كل ما مضى ...

ولكني اليوم أيقنت أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ...

أيقنت أن المرء لا يبحث عن معنىً وشغفاً لحياته بل يصنعهما بنفسه ...

أيقنت أن كل نور مهما عظمت قوته واشتد توهجه يحمل بين طياته ظلاماً دفيناً كما أن كل ظلام يحوي بين جنباته نوراً نقياً ساطعاً...

ولكن وحده الإنسان يختار ماذا يرى".....
المصرية
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 412
اشترك في: 09 ديسمبر 2008, 2:33 pm
Real Name: رانيا حسن
verification: ID verified and trusted writer

Re: ظلمة النور أم نور الظلمة؟!

مشاركة بواسطة المصرية »

جميلة فعلا قصصك لها مذاق مختلف عن الكثيير مما قرأت فعلا ابهرتنى قصتك واسلوبك اقبل تحياتى
صورة
صورة العضو الرمزية
الزهراء
مشرفة قسم النقد الفنى و المقالات
مشاركات: 473
اشترك في: 03 إبريل 2009, 11:28 pm
Real Name: سليمة مشري
Favorite Quote: الشكوى انحناء و أنا نبض عروقي الكبرياء ...
فالشكوى لغير الله مذلة
verification: ID verified and trusted writer
مكان: بلد الأحرار

Re: ظلمة النور أم نور الظلمة؟!

مشاركة بواسطة الزهراء »

مساء الخير :)

جميل هو موضوع قصتك و الأسلوب الذي تناولتها به كما أن لغتك جميلة و فيها استرسال و تدفع بنا إلى متابعة القراءة ، رغم أن القصة كان فيها -على حسب رأيي المتواضع- بعض الإطالة و كان من الأحسن لو أنهيتها بمجرد أن اكتشفت أنها قادرة على الابداع و أنها وجدت شغفها في الحياة دون أن تكمل القصة و تنتهي تلك النهاية المعروفة إن لم أقل الروتينية و وددتُ لو كانت النهاية عند حديث قمر مع شقيقتها وترك النهاية مفتوحة و المساحة لذهن القارئ
و لكن معاني القصة جميلة جدا و فيها عمق لابد من التأمل فيه فلا يكفينا ابصار الأعين بقدر حاجتنا إلى البصيرة و ما يراه القلب تعجز الأعين عن رؤيته

و لقد ذكرتني بقصة كنت قد كتبتها هنا و كان عنوانها " سر السعادة" حيث كانت بطلتها تنعم بكل شيء و تحس بالنقص و في الأخير كان ينقصها الرضا بما قسمه الله لها ،و إن كنت أنت قد تناولت الموضوع بطريقة مختلفة و بعمق ، صراحة بطريقة و بأسلوب أحسن أحييك عليه .
إن هذا مجرد رأي بسيط و أتمنى أن تستقبله بصدر رحب و أنا متأكدة من ذلك

نهاية واضح اننا أمام كاتب قصص متميز نتمنى أن نقرأ له الكثير

بالتوفيق flower1
جوا العين و ساكنة القلب
نحبك يا بلادي
......................
صورة
صورة العضو الرمزية
محمد محمود
مشرف قسم الأشعار
مشاركات: 1070
اشترك في: 06 نوفمبر 2008, 4:40 pm
Real Name: محمد محمود حسن
Favorite Quote: إلهــــي لا تعذبني فإني
مقر ٌ بالذي قد كان مني
verification: ID verified and trusted writer
مكان: الإسكندرية
اتصال:

Re: ظلمة النور أم نور الظلمة؟!

مشاركة بواسطة محمد محمود »

أختي العزيزة منى أولا ً أرحب بك زميلة ً لنا ومبدعة ً نشرف بانضمامها إلينا
ثانيا ً أحييك على هذا المستوى الراقي والأسلوب الرائع الذي شدني لقراءة العمل كلمة كلمة بشغف فائق
كلماتك وتعبيراتك أكثر من رائعة .
أتمنى أن تمتعينا بأعمالك المميزة دائما ً .
flower1
تواضع تكن كالبدر لاح لناظر ٍ على صفحات الماء وهو رفيع ُ
ولا تك كالدخان يعلو بنفســه إلى طبقات الجو وهو وضيـــع ُ

صورة


صفحتي الشخصية
صورة العضو الرمزية
donnabella
مشرفة قسم الأشعار
مشاركات: 365
اشترك في: 30 يناير 2009, 4:16 pm
Real Name: نورا مجدي
Favorite Quote: إذا لم يكن من الموت بد .. فمن العجز أن تموت جبانا
verification: ID verified and trusted writer

Re: ظلمة النور أم نور الظلمة؟!

مشاركة بواسطة donnabella »

يالروعة ألوانك
أنت لا تكتبين بل ترسمين لوحات بارعة الجمال رائعة الألوان
القصة جميلة جدا ما شاء الله أسلوبا و لغة و قد تنقلت بين تقلبات البطلة النفسية بدقة و إقتدار
استمري
بارك الله فيك happy11 happy11 happy11 happy11
ومـا مــِن كاتبٍ إلا سيبلى ....... ويُبقي الدهر مــا كتبت يـداهُ
فلا تكتُب بخطِك غير شيءٍ ....... يسُــرك في القيامةٍ أن تـراهُ
أضف رد جديد

العودة إلى ”قصص فصحى“