"بعض الجراح لا تلتئم"
مرسل: 28 مايو 2009, 2:30 am
**كان يوم مثل كل يوم..حيث استيقظت صباحا..اخذت حماما باردا..
وكالعادة اهملت افطارها..ثم ارتدت ملابسها التي تبدو انيقة رغم خلوها من كل مظاهر الفرح او البهجه... فالوان ملابسها هي الوان حياتها..الوان ترابية باهتة.. لكنها في النهاية الوان... وبعدها نزلت من عقارها الثمين..وركبت سيارتها الصغيرة الأنيقة لتذهب لعملها..
الشئ الوحيد الذي تمنته من الدنيا وأتته.. تمنت أن تكون مديرة لاحدى أقسام الشركات الاستثمارية الكبرى.. واجتهدت حتى حصلت على ما أرادت..رغم صعوبة مطلبها.. لذا..كان عملها أهم وأثمن شئ في حياتها..
**توقفت بسيارتها وهي في طريقها للعمل امام اشارة حمراء تسببت في ايقاف حشد لا بأس به من السيارات..
كان ينطلق من سيارتها صوت العندليب يشدو بأغنيته الجميلة.."رسالة من تحت الماء"..فأخذت تدندن معه متأملة تلك العمارات السكنية التى تتأملها كل يوم تقف فيه امام تلك الاشارة الحمراء..
وفي تلك اللحظة...عندما كانت تلتفت يسارا مستغرقة في تأملها..
اذا بعينها تتعلق بعين أحد ما..
عين كانت تنظر اليهاباهتمام منذ توقفت بسيارتها..
عين بدا فيها تكبر وتعال شديدين..
وحين رأته...توقفت عن التأمل..وعن الغناء..وربما حتى عن التنفس...
فتلك العين تبدو مألوفة لها..وتلك النظرةليست بغريبة عليها..
لم يكن من الصعب عليها ان تتعرف عليه..لم يحتج الامر منها سوى ان تزيل آثار شاحنة السنين من على الصدغين..
وتمسح بعض التجاعيد من على الجبهة..
فتجد وجها عاش معها سنوات طوال دون حتى ان تراه..
فوجه شخص ظالم لا ينمحي من القلب بسهولة..
و لا ينمحي من العين أبد الدهر..
**تحجرت عينها وهي تنظر اليه في سيارته السوداء الفاخرة..بدت عليها دهشة شديدة للوهلة الاولى..
فلم تكن تتوقع ان تراه بعد كل هذه السنوات..
لكن سرعان ما استحالت نظرتها من الدهشةالى الاحتقار..
فوجهه عاد بها لزمن لم ترد العودة اليه..
وأعاد لذهنها ذكريات ظنت انها نسيتها..
تحجرت عينها..وتوقف كل شئ فيها..ربما حتى قلبها..
ولم يوقظها الا نفير السيارات...وصياح السائقين من حولها يدفعونها للتحرك..
فاذا بها تلتفت امامها بوجه يعلوه البؤس..وربما اللامبالاة..بنظرة متعلقة باللاشئ..
وتحركت بتلقائية متناهية..ورحلت..
لكنها لم تعرف كيف رحلت..
**لم تشعر بنفسها الا وهي تجلس في مكتبها على مقعدها الجلدي الفاره..مسندة رأسها الى الخلف..
وعينها مثبتة في الهواء..كأنها تنظر لشئ عجيب...او كأنها لا ترى قط...
لم يوقظها الا نداء سكرتيرتها سائلة اياها:
"سيدتي..هل انت بخير؟..هل أصبت بوعكة؟..هل أستدعي الطبيب؟..هل........"
فقاطعتها وهي تجذب حقيبتها بعنف قائلة:
"أنا في اجازة اليوم.."
واتجهت نحو باب المكتب ..كأنها تهم بفعل شئ جنوني..تاركة السكرتيرة تسألها:
"سيدتي..بم اخبر المدير ان سأل عنك؟..سيدتي......."
لكنها لم تهتم..أو ربما لم تسمع..
**ركبت المصعد..و أخذ وجهه يتراءى أمام عينها كومضات مفزعة..
وكل ومضة بصدمة..برجفة..بخفقة..بقطرة دم من قلب ظن أن جرحه اندمل..
فاذا به ينزف من جديد..
أصابتها تلك الحالة بالضطراب والغضب..فقادت سيارتها بعنف شديد..حتى وصلت شقتها ودخلت..
وأغلقت الباب..وأغلقت معه على صبرها باب..
وهنا فقط..تركت العنان لمشاعرها..فراحت تبكي وتبكي...وتصرخ كاتمة صراخها بوسادتها..صديقتها..
وتعض عليها كما لو كانت طفلة صغيرة لا تتحمل الالم..
**أخذت تبكي لساعات..تبكي لانها تذكرت كل ما حدث منذ البداية...
منذ التقته..منذ التقت فرحة عمرها..و اول حب لها..منذ اعترف لها بحبه..واعترفت له بحبها..
تذكرت يوم قال"أحبك"..ويوم قال "عفوا..مصيرنا الفراق"..
تذكرت يوم ضحت لاجله..ويوم ضحى هو بها..
تذكرت سؤالها"ألم تعد تحبني؟؟.." وتذكرت اجابته..صمته الذي كان أقسى من أي اجابة..
تذكرت كيف بددت ألمه..وأنسته جراحه..
وكيف زاد هوحزنها وألمها وحطم قلبها..وحياتها..
تذكرت تلك النظرة القاسية التي كان ينظرها اليها..وتلك اللامبالاة التي تعامل بها معها..
تذكرت طيبتها..بل سذاجتها..وتذكرت نذالته..واستغلاله لها..
تذكرت ذلك الخنجر الذي غرسه بقلبها يوم علمت انه ارتبط بأخرى..
تذكرت يوم رآها وابتسم..ولسان حاله يقول"لم تكوني سوى لحظة..ولم تصبحي سوى ماض.."
تذكرت معاناتها لسنوات طويلة..وهي تحاول ان تنسى من غدر بها..داعية ربها ان ينتقم لها..وان يطمئن قلبها..
تذكرت كل هذا...وآلمها كل هذا..
كل موقف..كل كلمة..كل نظرة..
تذكرت ما ظنت انها نسيته..تذكرته وكأنه حدث أمس..
كأن الزمن لم يمر..والساعات لم تدق..و الأحوال لم تتغير..
**آلمها كل هذا..لكن أكثر ما آلمها هو أن تراه بعد كل هذه السنوات ينظر اليها نفس النظرة..
وتفعل بها النظرة كل هذا.. ولمــــــــاذا..؟!!..
لماذا تأبى السعادة أن تستمر في حياتها؟..لماذا يخشى الفرح أن يدخل قلبها؟..
لماذا يصر القدر على تعذيبها؟..لماذا تفتح الايام أبواب غلّقت ..وتشعل نارا اطفأها مرور الوقت..
و ذكريات دهستها عجلة الزمان؟..
لقد أعادتها تلك النظرة عشر سنوات للوراء..
منذ تركها..منذ بدأت معاناتها..فحين كانت تحاول استيعاب ماحدث..حدث ما يجعل الحياة كلها بأسهل ما فيها يصعب استيعابها..ماتت أمها..تلك التي كانت كل ما لها..كل عائلتها..
وفوجئت بأعمامها يتخلون عنها..ويقذفون بها الى بعضهم البعض..حتى خطبوها لاحدهم..ليتخلصوا منها..
رغم معارضتها الشديده..خاضت تلك التجربة بقلب ضعيف..انما بعقل يضاهي ألف عقل..
فصبرت على بلائها ختى انزاح عنها..
كانت تصبر حتى تكمل تعليمها الجامعي كي تستطيع البحث عن عمل وتصير مسئولة عن نفسها و بغنى عن كل من حولها..وضعت هذا المخطط برأسها رغم كل ما كان بها..فحتى الحزن على أمها..لم تعطها الدنيا الفرصة لتشعر به..
كانت تبحث عن خلاص لروحها..
وحين اكملت تعليمها..قررت أن تتخلص من زوجها المستقبلي..الذي أوهمته أنها توافق على كل ما يريده من تحكم وانصياع كامل للاوامر..زوجها الذي كان نسخة غير منقحة عن"سي السيد"..
بالطبع..فهو لم يدفع القليل لاعمامها حين اشتراها منهم..اعمامها الذين لم يكتفوا بميراث ابيها..بل باعوها بأرخص ثمن وفي اقرب فرصة..
وبعد جدال..بل قتال طويل..تركته...تركت هما ظل قابعا فوق قلبها لمدة عام كامل..
وقبل ان يعلم اعمامها بما فعلته..كانت قد رحلتبعدما استطاعت ايجاد عملا عن طريق زوج احدى صديقاتها المقربات..
كما وجدت مسكنا رغم ضيقه وفقره الا انها قبلت به..
وانتقلت لمدينة اخرى..ولعالم آخر..
**بالطبع لم يكن العمل الذي وجدته هو العمل الذي تتمناه...صحيح انه كان في شركة اسثمارة ..انما عملها كان مجرد كاتبة..تأخذ راتبا محدودا..وحتى المسكن لم يكن صالحا للعيش الآدمي..
لكنها صبرت..وثابرت حتى استطاعت ان تستعيد ميراثها عن ابيها من اعمامها..وقامت بتحسين حياتها بعض الشئ ببعض المال..اما عن الباقي فقررت ان تدرس به..بدأت تأخذ دورات تدريبية..وتدرس في كليات ومعاهد تنمي مداركها في مجال عملها..حتى حصلت على العديد من الشهادات..وترقت في عملها..فتحسن راتبها ومسكنها..وتحسنت حياتها..
بالطبع لم يكن أيا من هذا سهلا..فقد مر عليها كل يوم وكأنه عام..
لكن كانت فرحتها بكل نجاح تحققه تنسيها كل ألمها ووحدتها..
جعلتها الحياة ذكية..قوية وصلبة رغم أنفها..
**لكن مرور الايام لم ينسها يوما مما مرت به..ولم ينسها ابدا من ظلمها..
وكان من الطبيعي ان تظل ذكراه هو بالذات بداخلها...لانها لم تعش طوال حياتها سعادة كالتي عاشتها معه في بداية حياتها..صحيح انها كانت سعادة وقتية مبنية على الخداع..لكنها لم تنكر يوما انها اسعد ايام حياتها..ولم تنكر ايضا ان سعادتها تلك جعلت تركه لها يعني تدميرها..لهذا كرهته..ولم تسامحه قط..
فكثيرا ما كانت تتساءل بينها وبين نفسها"ماذا كان من الممكن ان يحدث ان لم يتركني؟" والاجابة واضحة بالطبع..
لم تكن ستمر بكل ما مرت به..او على الاقل ببعضه..
لكنها في النهاية تدرك انه قدرها..وأن البلاء ثلاثة أنواع...
اما ان يكون عقابا على شئ مضى..يكفر الله به عن سيئاتنا..وينقذنا من عذابنا بها في الدار الآخرة..وهذا افضل..
واما ان يكون بلاء مقدم يأتينا ما يعوضنا عنه فيما بعد..وحلاوة التعويض والسعادة بعد الحزن لا حلاوة بعدها..
واما ان يكون بلاء المؤمن..الذي يختبر الله صبره بابتلائه..ويجزيه به في دنياه واخرته..
لذا..لم تكن حزينة..فكفاها ان تقول"حسبي الله ونعم الوكيل"..فهي موقنة ان الله لن يترك حقها..كفاها ان تكون مع الله..
**تذكرت كل هذه الاشياء وهي تبكي..
تدافعت كل تلك الافكار والذكريات الى عقلها دفعة واحدة بلا انقطاع..
مرت عليها حياتها كشريط متصل بلا نهاية..
أخذت تبكي حتى أتعبها البكاء..حتى نامت دون ان تدري..
لم يوقظها الا صوت هاتفها الخلوي يرن..
فنهضت..اعتدلت في فراشها..ونظرت في الهاتف بعينيها الداميتين..
فوجدت رقما لا تعرفه..فألقت بالهاتف جانبا غير مهتمة..
لكنه ظل يرن كثيرا حتى قررت ان ترد..
وحالما وضعت الهاتف على اذنها سمعت ضوضاء غريبة..
ثم سمعت احدهم يقول بضعف شديد..:"انا اسف..سامحيني"
فاعتدلت في فراشها مندهشة..فقد بدا الصوت مثل صوته..
لكن صورته وهو ينظر اليها بتعال منذ قليل كانت كفيلة بأن تبعد الفكرة عن عقلها..
فردت قائلة..:"ماذا؟؟..من ؟أنت؟؟!.."
لكن احدا لم يرد...
وسمعت صوت ارتطام قوي..كأنما سقط الهاتف على الارض..
فأخذت تردد..:"الو...الو...."
فاذا بها تسمع صراخا مختلطا بصوت يبدو كأنه صوت سيارة اسعاف...
فأخذت تردد بدهشة ودون ان تدري...:"الو....الو........"
فاذا بصوت احدهم يقول..:"الو.."
فردت عليه.. :"هل انت من كنت تتحدث الىّ الآن؟؟..."
فقال.. :"لا.."
فقالت بتوتر شديد.. :"اريد ان اعرف من هو..وماذا هناك؟؟!..."
فقال.. :"أنا لا اعرفه...لكنه كان يقود سيارة سوداء...و......"
فقاطعته بقولها.. :"ماذا؟؟!.. اعطه الهاتف...أريد أن أتحدث اليه...اريد ان اعرف من هو..وماذا حدث.."
فقال بتردد.. :"لا استطيع...!"
فصاحت.. :"لماذا؟!.. هيا اعطه الهاتف..هيا....."
فكرر مجددا :"لا استطيع..."
وقبل ان تلح عليه مجددا..وجدته يقول..
:"أنا آسف............البقاء لله..!!"
تمت
وكالعادة اهملت افطارها..ثم ارتدت ملابسها التي تبدو انيقة رغم خلوها من كل مظاهر الفرح او البهجه... فالوان ملابسها هي الوان حياتها..الوان ترابية باهتة.. لكنها في النهاية الوان... وبعدها نزلت من عقارها الثمين..وركبت سيارتها الصغيرة الأنيقة لتذهب لعملها..
الشئ الوحيد الذي تمنته من الدنيا وأتته.. تمنت أن تكون مديرة لاحدى أقسام الشركات الاستثمارية الكبرى.. واجتهدت حتى حصلت على ما أرادت..رغم صعوبة مطلبها.. لذا..كان عملها أهم وأثمن شئ في حياتها..
**توقفت بسيارتها وهي في طريقها للعمل امام اشارة حمراء تسببت في ايقاف حشد لا بأس به من السيارات..
كان ينطلق من سيارتها صوت العندليب يشدو بأغنيته الجميلة.."رسالة من تحت الماء"..فأخذت تدندن معه متأملة تلك العمارات السكنية التى تتأملها كل يوم تقف فيه امام تلك الاشارة الحمراء..
وفي تلك اللحظة...عندما كانت تلتفت يسارا مستغرقة في تأملها..
اذا بعينها تتعلق بعين أحد ما..
عين كانت تنظر اليهاباهتمام منذ توقفت بسيارتها..
عين بدا فيها تكبر وتعال شديدين..
وحين رأته...توقفت عن التأمل..وعن الغناء..وربما حتى عن التنفس...
فتلك العين تبدو مألوفة لها..وتلك النظرةليست بغريبة عليها..
لم يكن من الصعب عليها ان تتعرف عليه..لم يحتج الامر منها سوى ان تزيل آثار شاحنة السنين من على الصدغين..
وتمسح بعض التجاعيد من على الجبهة..
فتجد وجها عاش معها سنوات طوال دون حتى ان تراه..
فوجه شخص ظالم لا ينمحي من القلب بسهولة..
و لا ينمحي من العين أبد الدهر..
**تحجرت عينها وهي تنظر اليه في سيارته السوداء الفاخرة..بدت عليها دهشة شديدة للوهلة الاولى..
فلم تكن تتوقع ان تراه بعد كل هذه السنوات..
لكن سرعان ما استحالت نظرتها من الدهشةالى الاحتقار..
فوجهه عاد بها لزمن لم ترد العودة اليه..
وأعاد لذهنها ذكريات ظنت انها نسيتها..
تحجرت عينها..وتوقف كل شئ فيها..ربما حتى قلبها..
ولم يوقظها الا نفير السيارات...وصياح السائقين من حولها يدفعونها للتحرك..
فاذا بها تلتفت امامها بوجه يعلوه البؤس..وربما اللامبالاة..بنظرة متعلقة باللاشئ..
وتحركت بتلقائية متناهية..ورحلت..
لكنها لم تعرف كيف رحلت..
**لم تشعر بنفسها الا وهي تجلس في مكتبها على مقعدها الجلدي الفاره..مسندة رأسها الى الخلف..
وعينها مثبتة في الهواء..كأنها تنظر لشئ عجيب...او كأنها لا ترى قط...
لم يوقظها الا نداء سكرتيرتها سائلة اياها:
"سيدتي..هل انت بخير؟..هل أصبت بوعكة؟..هل أستدعي الطبيب؟..هل........"
فقاطعتها وهي تجذب حقيبتها بعنف قائلة:
"أنا في اجازة اليوم.."
واتجهت نحو باب المكتب ..كأنها تهم بفعل شئ جنوني..تاركة السكرتيرة تسألها:
"سيدتي..بم اخبر المدير ان سأل عنك؟..سيدتي......."
لكنها لم تهتم..أو ربما لم تسمع..
**ركبت المصعد..و أخذ وجهه يتراءى أمام عينها كومضات مفزعة..
وكل ومضة بصدمة..برجفة..بخفقة..بقطرة دم من قلب ظن أن جرحه اندمل..
فاذا به ينزف من جديد..
أصابتها تلك الحالة بالضطراب والغضب..فقادت سيارتها بعنف شديد..حتى وصلت شقتها ودخلت..
وأغلقت الباب..وأغلقت معه على صبرها باب..
وهنا فقط..تركت العنان لمشاعرها..فراحت تبكي وتبكي...وتصرخ كاتمة صراخها بوسادتها..صديقتها..
وتعض عليها كما لو كانت طفلة صغيرة لا تتحمل الالم..
**أخذت تبكي لساعات..تبكي لانها تذكرت كل ما حدث منذ البداية...
منذ التقته..منذ التقت فرحة عمرها..و اول حب لها..منذ اعترف لها بحبه..واعترفت له بحبها..
تذكرت يوم قال"أحبك"..ويوم قال "عفوا..مصيرنا الفراق"..
تذكرت يوم ضحت لاجله..ويوم ضحى هو بها..
تذكرت سؤالها"ألم تعد تحبني؟؟.." وتذكرت اجابته..صمته الذي كان أقسى من أي اجابة..
تذكرت كيف بددت ألمه..وأنسته جراحه..
وكيف زاد هوحزنها وألمها وحطم قلبها..وحياتها..
تذكرت تلك النظرة القاسية التي كان ينظرها اليها..وتلك اللامبالاة التي تعامل بها معها..
تذكرت طيبتها..بل سذاجتها..وتذكرت نذالته..واستغلاله لها..
تذكرت ذلك الخنجر الذي غرسه بقلبها يوم علمت انه ارتبط بأخرى..
تذكرت يوم رآها وابتسم..ولسان حاله يقول"لم تكوني سوى لحظة..ولم تصبحي سوى ماض.."
تذكرت معاناتها لسنوات طويلة..وهي تحاول ان تنسى من غدر بها..داعية ربها ان ينتقم لها..وان يطمئن قلبها..
تذكرت كل هذا...وآلمها كل هذا..
كل موقف..كل كلمة..كل نظرة..
تذكرت ما ظنت انها نسيته..تذكرته وكأنه حدث أمس..
كأن الزمن لم يمر..والساعات لم تدق..و الأحوال لم تتغير..
**آلمها كل هذا..لكن أكثر ما آلمها هو أن تراه بعد كل هذه السنوات ينظر اليها نفس النظرة..
وتفعل بها النظرة كل هذا.. ولمــــــــاذا..؟!!..
لماذا تأبى السعادة أن تستمر في حياتها؟..لماذا يخشى الفرح أن يدخل قلبها؟..
لماذا يصر القدر على تعذيبها؟..لماذا تفتح الايام أبواب غلّقت ..وتشعل نارا اطفأها مرور الوقت..
و ذكريات دهستها عجلة الزمان؟..
لقد أعادتها تلك النظرة عشر سنوات للوراء..
منذ تركها..منذ بدأت معاناتها..فحين كانت تحاول استيعاب ماحدث..حدث ما يجعل الحياة كلها بأسهل ما فيها يصعب استيعابها..ماتت أمها..تلك التي كانت كل ما لها..كل عائلتها..
وفوجئت بأعمامها يتخلون عنها..ويقذفون بها الى بعضهم البعض..حتى خطبوها لاحدهم..ليتخلصوا منها..
رغم معارضتها الشديده..خاضت تلك التجربة بقلب ضعيف..انما بعقل يضاهي ألف عقل..
فصبرت على بلائها ختى انزاح عنها..
كانت تصبر حتى تكمل تعليمها الجامعي كي تستطيع البحث عن عمل وتصير مسئولة عن نفسها و بغنى عن كل من حولها..وضعت هذا المخطط برأسها رغم كل ما كان بها..فحتى الحزن على أمها..لم تعطها الدنيا الفرصة لتشعر به..
كانت تبحث عن خلاص لروحها..
وحين اكملت تعليمها..قررت أن تتخلص من زوجها المستقبلي..الذي أوهمته أنها توافق على كل ما يريده من تحكم وانصياع كامل للاوامر..زوجها الذي كان نسخة غير منقحة عن"سي السيد"..
بالطبع..فهو لم يدفع القليل لاعمامها حين اشتراها منهم..اعمامها الذين لم يكتفوا بميراث ابيها..بل باعوها بأرخص ثمن وفي اقرب فرصة..
وبعد جدال..بل قتال طويل..تركته...تركت هما ظل قابعا فوق قلبها لمدة عام كامل..
وقبل ان يعلم اعمامها بما فعلته..كانت قد رحلتبعدما استطاعت ايجاد عملا عن طريق زوج احدى صديقاتها المقربات..
كما وجدت مسكنا رغم ضيقه وفقره الا انها قبلت به..
وانتقلت لمدينة اخرى..ولعالم آخر..
**بالطبع لم يكن العمل الذي وجدته هو العمل الذي تتمناه...صحيح انه كان في شركة اسثمارة ..انما عملها كان مجرد كاتبة..تأخذ راتبا محدودا..وحتى المسكن لم يكن صالحا للعيش الآدمي..
لكنها صبرت..وثابرت حتى استطاعت ان تستعيد ميراثها عن ابيها من اعمامها..وقامت بتحسين حياتها بعض الشئ ببعض المال..اما عن الباقي فقررت ان تدرس به..بدأت تأخذ دورات تدريبية..وتدرس في كليات ومعاهد تنمي مداركها في مجال عملها..حتى حصلت على العديد من الشهادات..وترقت في عملها..فتحسن راتبها ومسكنها..وتحسنت حياتها..
بالطبع لم يكن أيا من هذا سهلا..فقد مر عليها كل يوم وكأنه عام..
لكن كانت فرحتها بكل نجاح تحققه تنسيها كل ألمها ووحدتها..
جعلتها الحياة ذكية..قوية وصلبة رغم أنفها..
**لكن مرور الايام لم ينسها يوما مما مرت به..ولم ينسها ابدا من ظلمها..
وكان من الطبيعي ان تظل ذكراه هو بالذات بداخلها...لانها لم تعش طوال حياتها سعادة كالتي عاشتها معه في بداية حياتها..صحيح انها كانت سعادة وقتية مبنية على الخداع..لكنها لم تنكر يوما انها اسعد ايام حياتها..ولم تنكر ايضا ان سعادتها تلك جعلت تركه لها يعني تدميرها..لهذا كرهته..ولم تسامحه قط..
فكثيرا ما كانت تتساءل بينها وبين نفسها"ماذا كان من الممكن ان يحدث ان لم يتركني؟" والاجابة واضحة بالطبع..
لم تكن ستمر بكل ما مرت به..او على الاقل ببعضه..
لكنها في النهاية تدرك انه قدرها..وأن البلاء ثلاثة أنواع...
اما ان يكون عقابا على شئ مضى..يكفر الله به عن سيئاتنا..وينقذنا من عذابنا بها في الدار الآخرة..وهذا افضل..
واما ان يكون بلاء مقدم يأتينا ما يعوضنا عنه فيما بعد..وحلاوة التعويض والسعادة بعد الحزن لا حلاوة بعدها..
واما ان يكون بلاء المؤمن..الذي يختبر الله صبره بابتلائه..ويجزيه به في دنياه واخرته..
لذا..لم تكن حزينة..فكفاها ان تقول"حسبي الله ونعم الوكيل"..فهي موقنة ان الله لن يترك حقها..كفاها ان تكون مع الله..
**تذكرت كل هذه الاشياء وهي تبكي..
تدافعت كل تلك الافكار والذكريات الى عقلها دفعة واحدة بلا انقطاع..
مرت عليها حياتها كشريط متصل بلا نهاية..
أخذت تبكي حتى أتعبها البكاء..حتى نامت دون ان تدري..
لم يوقظها الا صوت هاتفها الخلوي يرن..
فنهضت..اعتدلت في فراشها..ونظرت في الهاتف بعينيها الداميتين..
فوجدت رقما لا تعرفه..فألقت بالهاتف جانبا غير مهتمة..
لكنه ظل يرن كثيرا حتى قررت ان ترد..
وحالما وضعت الهاتف على اذنها سمعت ضوضاء غريبة..
ثم سمعت احدهم يقول بضعف شديد..:"انا اسف..سامحيني"
فاعتدلت في فراشها مندهشة..فقد بدا الصوت مثل صوته..
لكن صورته وهو ينظر اليها بتعال منذ قليل كانت كفيلة بأن تبعد الفكرة عن عقلها..
فردت قائلة..:"ماذا؟؟..من ؟أنت؟؟!.."
لكن احدا لم يرد...
وسمعت صوت ارتطام قوي..كأنما سقط الهاتف على الارض..
فأخذت تردد..:"الو...الو...."
فاذا بها تسمع صراخا مختلطا بصوت يبدو كأنه صوت سيارة اسعاف...
فأخذت تردد بدهشة ودون ان تدري...:"الو....الو........"
فاذا بصوت احدهم يقول..:"الو.."
فردت عليه.. :"هل انت من كنت تتحدث الىّ الآن؟؟..."
فقال.. :"لا.."
فقالت بتوتر شديد.. :"اريد ان اعرف من هو..وماذا هناك؟؟!..."
فقال.. :"أنا لا اعرفه...لكنه كان يقود سيارة سوداء...و......"
فقاطعته بقولها.. :"ماذا؟؟!.. اعطه الهاتف...أريد أن أتحدث اليه...اريد ان اعرف من هو..وماذا حدث.."
فقال بتردد.. :"لا استطيع...!"
فصاحت.. :"لماذا؟!.. هيا اعطه الهاتف..هيا....."
فكرر مجددا :"لا استطيع..."
وقبل ان تلح عليه مجددا..وجدته يقول..
:"أنا آسف............البقاء لله..!!"
تمت