الصــــوت الضائــــع فـــي المـــــدى .. قصــــة قصيـــــرة

المشرفون: Ghadat2009،نبضة...

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
alaamahmoud
أكاديمى فعال
أكاديمى فعال
مشاركات: 12
اشترك في: 22 فبراير 2009, 4:07 am
Favorite Quote: الله اكبر
مكان: مصر - القاهرة

الصــــوت الضائــــع فـــي المـــــدى .. قصــــة قصيـــــرة

مشاركة بواسطة alaamahmoud »

" الصوت الضائع في المدى "
بقلم : علاء محمود


السواد مدلهم، طاغٍٍ ٍ، أبدي . أناملكِ تتوحد مع الجدار البارد . تهبط وتصعد . تمتد . يتلاشى الجدار، ويتبدل الملمس. سطح أملس منتشرة عليه بعشوائية ثقوب متناهية الصغر. تهبط أناملكِ وتبحث. تعانق قطعة معدنية وتديرها لأسفل. تغيبين بالداخل هنيهة بين أصوات صرير وقعقعقة وطرطشة. تخرجين . وجهكِ يغوص في قطعة لينة، ويتنقل بحناياه في حنكة.
رائحة البيض المقلي، والفول المدمس تفعم أنفكِ. يخترق مسامعكِ صوت حفيدتكِ وهي تقول:

- لقد حضرت طعام الأفطار، ووضعته على المائدة . سأنصرف الآن؛ فاليوم لدي امتحان بالغ الأهمية. أدعي لي بالتوفيق.

تقولين لها بلهجة حنونة:

- وفقكِ الله يا حبيبتي . سأدعو لكِ بالتأكيد.

صوت خطوات يعقبها صرير . الباب يوصد، والخطوات تنتقل إلى درجات السلم . بينما أخذتِ أنتِ تدعين الله أن يوفق حفيدتكِ الوحيدة.

يتناهى إلى مسامعكِ صوت قادم من الخارج. صوت عجيب غير مألوف! هل سمعتيه قديماً ؟ أم هو صوت تسمعينه لأول مرة؟
تشرئبين بعنقكِ وتتنصتين باهتمام شديد، والحيرة تنحت ملامحكِ. تتقدمين ببطء شديد مصوبة أذنكِ تجاه النافذة.
يتناهى إلى مسامعكِ حفحفات أوراق الشجر ونسمات الهواء تتخللها.. عصافير تزقزق وترفرف في اصطخاب مبهج . خشخشةأوراق مهملة يعبث بها الهواء. خطوات ثقيلة بطيئة، وآخرى خفيفة كالحلم، وثالثة تتلاعب بالحصوات الصغيرة وتركلها. نفير حافلة المدرسة المميز وصرير بابها مختلطاً بضغط الهواء . الصوت الأخير كان له تأثير كبير على أوشاجكِ. تدركين أنه ليس هو لكنكِ –غصباً عنكِ- تتذكرين وأنتِ صغيرة مترجلة على عجل . السيارات تعبر بجواركِ غير مبالية . الأسفلت مصقول ولامع من قطرات المطر . الإجهاد يغزو عضلاتكِ الرقيقة، والطريق طويل لا ينتهي . تصلين إلى مدرستكِ بحذاء قد بلى، وقد اتخذ باطن قدمكِ هيئته وفجواته. كان عليكِ أن تكرري هذا يومياً في الذهاب والإياب . شعور عارم بالقهر والظلم يكتنفكِ . تجلسين على حافة الرصيف هنيهة لتستريحي، وبحسد تتأملين زميلاتكِ وهن يهبطن من الحافلات والسيارات. غصباً عنكِ تتفجر الدموع من مآقيكِ .

عاودتِ التنصت في اهتمام أكبر. ما سمعتيه منذ قليل تعرفين كنهه يقيناً بالتأكيد، لكنه ضائع في غياهب وجدانكِ... نغمات موسيقية راقصة تنساب إليكِ، مختلطة بكلمات مبهمة، تمنحكِ انقباضاً مؤلماً وذكرى كئيبة. ذكرى أصوات صاخبة. الفتيات تتراقص وتصفق... بينما أنتِ ترمقين الرجل الجالس بجواركِ . هيئته تقترب من ملامح عمكِ الطاعن في السن، وليس كزوج من جيلك. الدموع تنساب على وجنتيكِ في غزارة، وأنتِ ترين حلم الدراسة يتم وءده . كم كان أملكِ أن تكوني شيئاً كبيراً . شعرتِ بذلك في نظرات مدرسيكِ . واحترام زميلاتكِ لكِ . ترينها في نضجكِ السابق للأوان . في ترككِ اللهو في سبيل أن تقرأي رواية جديدة أو مقالة داخل مكتبة المدرسة ... عادت دموعكِ تنساب في غزارة وسيل لا ينقطع.

الأصوات كثيرة مختلطة . تجاهدين كي تصفيها كل على حدة. خطوات تهبط درجات سلم البناية، يعقبها سعال حاد متقطع. لابد أنه عم هلال القاطن في الطابق الخامس. صوت امرأة يعلو محتجاً في عصبية، وصوت رجل يحاول تهدئتها. المرأة تزعق تصرخ . يذكرك صراخها بشيء ما . كأنكِ في كابوس مخيف . أقدام كقضبان كثيفة سوداء، وأصوات جوفاء تصرخ وكأنما يخنقها اصطخاب شيء ما ! بلبلت حواسكِ بالأنفعال وشعور جارف بالرعب والفزع .
تساءلتِ في هلع عما يحدث ؟ وما أن آتاكِ الجواب صرختِ وصرختِ حتى أجهدتِ . إرتميتِ على فراشكِ تلهثين كالغريقة ... لقد تركِ زوجكِ وأنتِ فتية في عنفوان الصبا . تركِ وسط فراغ خاذل ، ووحدة مضنية .
لمحتِ وليدكِ – الذي صار يتيمًا- واقفا كالممسوس . شيئاً من صمته الشاجي، ورهبته الغاشية مست شغاف قلبكِ، فقمعتِ دموعكِ، وكفكفتِ نشيجكِ . احتضنته في حنان . لقد أضحى عالمكِ الذي تدورين في فلكه، ويجب أن ترعيه حتى تري فيه حلمكِ القديم الموؤد.

الأصوات تهدأ وتتفرق . صوت جهور ينادي بكل ما يملك من طاقة . خطاب مرسل إلى جارك. هذا الصوت ينعش ذكرياتك التي باتت كضوء شاحب . لا يضيء ولا يظلم . تتذكرين حين أذهلكِ النبأ، وصدمكِ ، وترككِ مشدوهة حيرى . انفجر صراخكِ من الأعماق ، تصاعد حارا كبركان يقذف بحممه . أحسستِ بالعبرات تترقرق في مآقيكِ . حاولتِ عبثاً أن توقفي انهمارها ، ورغماً عنكِ انبثقت وانحدرت على وجنتيكِ .
عانيتِ حياة كئيبة . طبُعت حياتكِ بالحزن، والكآبة، والجهامة، والاكتئاب، والشعور بالمسئولية، كنتِ ترزحين تحت وطء أقدح الأحزان . لكنكِ لم تتخيلين أن الحياة ستلطمكِ بهذه اللطمة القاضية.
تلمستِ بحسرة الخطاب المُرسل إليكِ . عاودتِ قراءته مراراَ . كان نص الخطاب يطالبكِ بالحضور لاستلام رفات ولدكِ الآتية من الخارج . ولدكِ الذي عانى الأمرين حتى طفح به الكيل؛ فسافر إلى الخارج وترك لكِ ابنته الصغيرة. سافر وروحه مفعمة بالأمل لحياة أفضل لكِ وله ولزوجته وأبنته.
طفرت العبرات من عينيكِ، وأنتِ تشهقين في ألم . ضغطتِ بأسنانكِ على شفتيكِ حتى أدميتها . هتفتِ بكل المرارة والثورة في أعماقكِ : " لماذا تركتني يا ولدي ؟ لماذا دمرت أحلامي بهذه الوسيلة المفجعة ؟ "
أخذتي تبكين حتى دميت أجفانكِ وجفت مآقيكِ، وحتى سقطتِ أسيرة الظلام .

الصوت يعود مجدداً. يصل إلى مسامعكِ بوضوح، لكنكِ ما زلتِ لا تستطعين سبر أغواره . جاهدتِ كي تفكِ طلاسمه . مقطع متكرر من حرفين . طريقة النطق ذاتها إيقاعها غريب، وإلقاءها أغرب "ها.ها.ها !!"
الوقفة تنهككِ، والتفكير يرهقكِ، والجوع ينهش أحشاءكِ. تتلمسين طريقكِ إلى الداخل؛ بينما الصوت كان قد تلاشى إلى غير رجعة.
أو ربما قد يعود.

صورة
المصرية
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 412
اشترك في: 09 ديسمبر 2008, 2:33 pm
Real Name: رانيا حسن
verification: ID verified and trusted writer

Re: الصــــوت الضائــــع فـــي المـــــدى .. قصــــة قصيـــــرة

مشاركة بواسطة المصرية »

happy11 happy11 happy11 جميلة قوى يا علاء .من زمان مقرتش ليك حاجة جديدة وحمدا لله على السلامة وانا سعيدة انك حاطت صورة الغلاف بتاعنا هنا .القصة وجعتنى قوى مأساة حقيقية لامرأة حسيت انها من جيلنا اكتر منها عجوز نفس الظلم اللى بيقع على كتيير مننا بس يارب ميكتبش محنة فقد الابن على حد لا ن كل جراح العمر تهون الا ده .
صورة
صورة العضو الرمزية
alaamahmoud
أكاديمى فعال
أكاديمى فعال
مشاركات: 12
اشترك في: 22 فبراير 2009, 4:07 am
Favorite Quote: الله اكبر
مكان: مصر - القاهرة

Re: الصــــوت الضائــــع فـــي المـــــدى .. قصــــة قصيـــــرة

مشاركة بواسطة alaamahmoud »

المصرية كتب:happy11 happy11 happy11 جميلة قوى يا علاء .من زمان مقرتش ليك حاجة جديدة وحمدا لله على السلامة وانا سعيدة انك حاطت صورة الغلاف بتاعنا هنا .القصة وجعتنى قوى مأساة حقيقية لامرأة حسيت انها من جيلنا اكتر منها عجوز نفس الظلم اللى بيقع على كتيير مننا بس يارب ميكتبش محنة فقد الابن على حد لا ن كل جراح العمر تهون الا ده .




الله يسلمكِ ، وسعيد جداً أن القصة عجبتكِ

وإن شاء الله أكون عند حسن ظنكِ دائماً

وصورة الغلاف أنا حاططها من فترة:xوإن شاء الله ربنا يسهل والمشكلة تتحل

صورة
صورة العضو الرمزية
هبة خميس
أكاديمى نشيط
أكاديمى نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 26 فبراير 2009, 9:59 pm
Real Name: هبة محمود خميس
Favorite Quote: قل لي من تعاشر اقل لك من انت فان من يقضي الليل في المستنقع استيقظ صديقا للضفدع
verification: ID verified and trusted writer

Re: الصــــوت الضائــــع فـــي المـــــدى .. قصــــة قصيـــــرة

مشاركة بواسطة هبة خميس »

علاء محمود منور و الله م11
طبعا عارف رايي في القصة دي
عاجباني جدا بصراحة great1
بس عرفت الاكاديمية منين ؟ thi1
تحياتي
صورة العضو الرمزية
alaamahmoud
أكاديمى فعال
أكاديمى فعال
مشاركات: 12
اشترك في: 22 فبراير 2009, 4:07 am
Favorite Quote: الله اكبر
مكان: مصر - القاهرة

Re: الصــــوت الضائــــع فـــي المـــــدى .. قصــــة قصيـــــرة

مشاركة بواسطة alaamahmoud »

هبة خميس كتب:علاء محمود منور و الله م11
طبعا عارف رايي في القصة دي
عاجباني جدا بصراحة great1
بس عرفت الاكاديمية منين ؟ thi1

تحياتي




ربنا يخليكي يا رب، ورأيك بعتز به جداً

والأكاديمية عرفتها بالصدفة من فترة بس مكنتش بدخل

صورة
صورة العضو الرمزية
هبة الله محمد
مشرفة قسم أخبار الأدب
مشاركات: 672
اشترك في: 28 نوفمبر 2008, 12:20 am
Favorite Quote: الجحيم هو الآخرين.
verification: ID verified and trusted writer

Re: الصــــوت الضائــــع فـــي المـــــدى .. قصــــة قصيـــــرة

مشاركة بواسطة هبة الله محمد »

lجميلة ا.علاء فعلا معبرة عن محنة نساء كثيرات
صورة
صورة العضو الرمزية
Ghadat2009
مشرفة قسم الكتابة
مشاركات: 1481
اشترك في: 02 فبراير 2009, 12:00 pm
Real Name: غادة يسري
Favorite Quote: كن جميلا ..... ترى الوجود جميلا :)
verification: ID verified and trusted writer
مكان: مصر الجميلة

Re: الصــــوت الضائــــع فـــي المـــــدى .. قصــــة قصيـــــرة

مشاركة بواسطة Ghadat2009 »

قصة رائعة .. clap1

أسلوبك رائع حقا يا علاء ... استمتعت جدا بالقراءة و تدفّق الأحداث مابين حاضر و ماضي

كما استمتعت بالوصف المتمكن للروائح و الأصوات و الأحاسيس و بثراء حصيلتك اللغوية الممتع

و الموضوع مختلف و إنساني مؤثر فعلا ...

تمنياتي لك بالتوفيق دائما إن شاء الله flower1
صورة

.
.
.
[highlight=#ffff40]*** لــزيارة صــفـــحـــتــي *** [/highlight]
صورة العضو الرمزية
alaamahmoud
أكاديمى فعال
أكاديمى فعال
مشاركات: 12
اشترك في: 22 فبراير 2009, 4:07 am
Favorite Quote: الله اكبر
مكان: مصر - القاهرة

Re: الصــــوت الضائــــع فـــي المـــــدى .. قصــــة قصيـــــرة

مشاركة بواسطة alaamahmoud »

هبة الله محمد كتب:lجميلة ا.علاء فعلا معبرة عن محنة نساء كثيرات



الصديقة هبة

أشكركِ كثيراً على ردكِ الذي أسعدني بحق

وأسعدني أكثر أن القصة أعجبتكِ

لكِ مني كل تقدير واحترام

صورة
صورة العضو الرمزية
alaamahmoud
أكاديمى فعال
أكاديمى فعال
مشاركات: 12
اشترك في: 22 فبراير 2009, 4:07 am
Favorite Quote: الله اكبر
مكان: مصر - القاهرة

Re: الصــــوت الضائــــع فـــي المـــــدى .. قصــــة قصيـــــرة

مشاركة بواسطة alaamahmoud »

Ghadat2009 كتب:قصة رائعة .. clap1

أسلوبك رائع حقا يا علاء ... استمتعت جدا بالقراءة و تدفّق الأحداث مابين حاضر و ماضي

كما استمتعت بالوصف المتمكن للروائح و الأصوات و الأحاسيس و بثراء حصيلتك اللغوية الممتع

و الموضوع مختلف و إنساني مؤثر فعلا ...


تمنياتي لك بالتوفيق دائما إن شاء الله flower1



أشكركِ جزيلاً على ردكِ الذي أسعدني للغاية

وأسعدني استمتاعكِ بالقصة، وانها نالت رضاكِ

لكِ مني كل تقدير واحترام

صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”قصص فصحى“