تتطاول عليكَ التعاسة و تجعل من قلبكَ الطامح للسعادة مكانا و مستقراً لها ، إنكَ تحاولُ الهروب أن تنفذ بأي طريقة لكنها مازالتْ تلاحقك و مازلتَ تراها في كل الوجوه التي تصادفها أينما ذهبت ، و كأنها السمة الأساسية التي تطبع كل البشر .....
تلك الأحزان اللعينة ..كلما اعتقدتَ أنك قد تخلصتَ منها تجدها أولَ ما يدغدغ مشاعرك و أول ما تحسُ به ، لازلتَ تحاولُ الهروب و لازالتْ تطاردك .....
تتكئُ على شيء تظنه بوابة للأمل و تحاولُ مرة أخرى أن تتناساها ، و لكن هيهات فقد جاءت أخرى كي تستخلفها بل حتى تساندها في ذلك الهجوم و تقتحم وحدة أردتَها و لكنها لن تكون ...
الذكريات...إنها أيضا هنا و تقتربُ منك ، تداعب مخيلتك و كأنها تغريك ، مثل المرأة اللعوب ..إنها تبثُ لك شريط حياتك على عجالة ، و أنت تحاول ألا تنصاع إليها كالقديس الذي يقاوم الرذيلة ...لكنها لم تستسلم و لم تبتعد فهي أيضا تطاردك ..
و رغم كل محولاتك لصدها ترضخ لها في الأخير..و تبحر في ماضيك و تعرج على طفولتك ، تتذكر كم كنت متفوقا و كان الكثيرون بل الجميع يجزمون بأنكَ ستكون مميزا و ستعتلي قمم النجاح ...
و صدقت أنت ذلك و ظللتَ تحلم و تحلم ، و كبرت أحلامك و اتسع نطاقها و تجاوزتْ الحدود ، حتى ظننتَ أنك بالغ المستحيل ...و خطوتَ باتجاه الحياة بأفكار مسبقة أنك الأحسن و الأذكى و أن الوصول أمر محتوم ..
و بدأ الشك يدخل إلى نفسك عندما تفوقت بتقدير عالي و استعصى عليك الأمر أن تجد وظيفة محترمة تليق بقدراتك ..فرضيت بأقلهم قيمة و مركزاً
و حتى عندما بدأتَ تحس بشيء غريب يتحرك بداخلك ... إحساس تجربُه لأول مرة ، اعتقدتَ أنها لن ترفض مشاعرك و ستمتثل لها في حين أنها كفرت بذلك الحب و خرجت عنه و رفضته على الملء ...
كانت تلك أول صدمة لتتوالى بعدها الهزات و ترضخ أنت في نهاية الأمر و ترتبط على طريقة الأجداد و إن كان منهم من تزوج بعد قصة حب كبيرة ...
و يتحول بعدها الشك إلى يقين....
و مرت عليك السنون و مع كل سنة تنقضي كنت ترضخ أكثر و تلاشت صورة كنت قد رسمتَها سابقا و بقيت مجرد ماض و أوهام ...
..تنتفض من مكانك و تدرك أنه عليك أن تعود لواقعك .. تغادر ذلك المكان الذي تمسكت به و كأنه نافذة الأمل و بوابة السعادة ، و ترحل تاركا هناك ذكرياتكَ التي تحمل أحلامك و تستبدلها بواقع عليك مواجهته ، و كأنكَ تعيش حياتين ...
حياة تنبذها و تجري منها إلى المجهول ، و حياة تلذ إليها كلما علت درجة نفورك من الأولى لتصادف عندها تلك الأحلام و تود لو تقابل كل من راهن عليك .... لتخبره أنه قد خسر الرهان ..
و لأول مرة تبتسم ، لا ..ليست ابتسامة الرضا أو السعادة ، و لكنها ابتسامة مملوءة بالسخرية و الحزن ...
نعم الحزن مرة أخرى .. لقد عاد من جديد ، لا داعي لأن تهربَ أو تفر منه فقد كان و مازال قدرك و عليك أن ترضخ له ....
.......................................
أود أن أهدي هذا العمل المواضع لأكاديميتي الغالية التي تسعى للرقي و التميز و إلى كل الأعضاء الذين طالما أفادوني بآرائهم و أخص بالذكر زميلي العزيز وليد ، أتمنى أن نراك قريبا ....
